الخميس, 21 نوفمبر, 2024
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

أزمة الكهرباء في الدول العربية الأسباب والتداعيات وسبل العلاج

إسلام جمال الدين شوقي

تُعدُ أزمة الكهرباء من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول العربية في العصر الحديث. فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم، ما زالت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي تؤرق الملايين من المواطنين في مختلف أنحاء الوطن العربي. وتتجلى هذه الأزمة بشكل خاص في فصل الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الكهرباء بشكل كبير.

 

ولقد شهدت في الآونة الأخيرة عدة دول عربية، من بينها الكويت ولبنان، موجات من انقطاع التيار الكهربائي أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين وسير الأعمال. ففي الكويت على سبيل المثال، أعلنت وزارة الكهرباء عن قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق السكنية والصناعية والزراعية بسبب ما وصفته بـ “الخلل في إمدادات الوقود (الغاز)”. هذا الإجراء، الذي يعرف محليًا بـ “القطع المبرمج”، يهدف إلى تخفيف الأحمال على الشبكة الكهربائية خلال فترات ذروة الاستهلاك.

 

أما في لبنان، فقد وصلت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان عن خروج آخر مجموعة إنتاجية لمعمل الزهراني عن الخدمة بالكامل، مما أدى إلى توقف التغذية بالتيار الكهربائي كليًا عن جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك المرافق الأساسية كالمطارات والموانئ ومحطات ضخ المياه.

اقرأ أيضًا.. نظرية تأثير الفراشة وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي

إن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لسنوات من سوء التخطيط وضعف الاستثمار في البنية التحتية للطاقة. فالزيادة المطردة في عدد السكان، والتوسع العمراني السريع، وارتفاع درجات الحرارة بسبب التغير المناخي، كلها عوامل ساهمت في تفاقم المشكلة. كما أن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء جعل العديد من الدول العربية عرضة لتقلبات أسعار النفط والغاز العالمية، مما يؤثر سلبًا على استقرار إمدادات الطاقة.

 

وتتعدى آثار هذه الأزمة من مجرد الإزعاج اليومي للمواطنين فانقطاع التيار الكهربائي يؤثر بشكل مباشر على القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والصناعة، مما يعيق عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما أن اللجوء إلى المولدات الكهربائية الخاصة كحل بديل يزيد من التلوث البيئي ويرفع من تكلفة المعيشة على المواطنين.

 

إن معالجة أزمة الكهرباء في العالم العربي تتطلب نهجًا شاملًا ومتعدد الأبعاد. فمن الضروري الاستثمار في تحديث وتوسيع شبكات الكهرباء، وتنويع مصادر الطاقة مع التركيز على الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أن تحسين كفاءة استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك يعد جزءًا أساسيًا من الحل.

 

تعود جذور أزمة الكهرباء في العالم العربي إلى مجموعة معقدة من العوامل المترابطة. أولاً، هناك مشكلة تتمثل في النمو السكاني السريع والتوسع العمراني غير المنضبط، والذي غالبًا ما يتجاوز قدرة البنية التحتية القائمة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. فعلى سبيل المثال، في الكويت، أدى تزايد عدد السكان والتوسع العمراني إلى الضغط بشكل كبير على شبكة الكهرباء، مما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى “القطع المبرمج” للتيار الكهربائي للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.

 

ثانياً، يُعدُ الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء من الأسباب الرئيسية للأزمة. فعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية غنية بالنفط والغاز، إلا أن هذا الاعتماد يجعلها عرضة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية وانقطاعات الإمداد. وقد رأينا ذلك جليًا في حالة الكويت، حيث أدى الخلل في إمدادات الغاز إلى اضطرابات كبيرة في توليد الكهرباء.

 

ثالثًا، هناك مشكلة تقادم في البنية التحتية للكهرباء للعديد من الدول العربية. فالعديد من محطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع قد تجاوزت عمرها الافتراضي، مما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة وزيادة احتمالات الأعطال. في لبنان، على سبيل المثال، أدى نقص الصيانة وعدم تحديث المعدات إلى تفاقم أزمة الكهرباء بشكل كبير.

 

رابعًا، يشكل التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة تحديًا إضافيًا. فمع زيادة موجات الحر، يرتفع الطلب على الكهرباء بشكل كبير لتشغيل أجهزة التكييف، مما يضع ضغطًا هائلاً على الشبكات الكهربائية خلال أشهر الصيف.

إن آثار أزمة الكهرباء تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة في الدول العربية. فعلى الصعيد الاقتصادي، يؤدي انقطاع التيار الكهربائي إلى تعطيل الإنتاج في المصانع والشركات، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي وفرص العمل. كما أن عدم استقرار إمدادات الكهرباء يشكل عائقًا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تعد البنية التحتية الموثوقة للطاقة من العوامل الأساسية في قرارات الاستثمار.

اجتماعيًا، يؤثر انقطاع الكهرباء بشكل مباشر على جودة الحياة للمواطنين. فعدم القدرة على تشغيل أجهزة التكييف في ظل درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن يشكل خطرًا على الصحة، خاصةً للفئات الضعيفة مثل كبار السن والأطفال. كما أن انقطاع الكهرباء يؤثر على قدرة المستشفيات على تقديم الرعاية الصحية اللازمة، ويعطل العملية التعليمية في المدارس والجامعات.

في الحالة اللبنانية، وصل الأمر إلى حد توقف المرافق الأساسية مثل المطارات والموانئ ومحطات ضخ المياه، مما يهدد بكارثة إنسانية حقيقية. وفي ظل هذه الظروف، يلجأ العديد من المواطنين إلى استخدام المولدات الكهربائية الخاصة، مما يزيد من التلوث البيئي ويرفع تكاليف المعيشة.

 

لمواجهة أزمة الكهرباء في العالم العربي، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد. أولاً، من الضروري الاستثمار في تحديث وتوسيع البنية التحتية للكهرباء. وهذا يشمل بناء محطات توليد جديدة وتحديث الشبكات القائمة لتحسين كفاءتها وموثوقيتها.

ثانيًا، يجب التركيز على تنويع مصادر الطاقة، مع إعطاء أولوية للطاقات المتجددة. فالدول العربية تتمتع بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويمكن استغلال هذه الموارد لتخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز أمن الطاقة.

ثالثًا، هناك حاجة إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطبيق معايير صارمة لكفاءة الطاقة في المباني والأجهزة الكهربائية، وتنفيذ حملات توعية لتشجيع المواطنين على ترشيد استهلاكهم للكهرباء.
رابعًا، يجب تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. فمشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي يعد مثالاً جيدًا على كيفية مساهمة التعاون الإقليمي في تعزيز أمن الطاقة. ويمكن توسيع مثل هذه المبادرات لتشمل المزيد من الدول العربية.

خامسًا، من المهم تطوير الإطار التنظيمي والقانوني لقطاع الكهرباء. وهذا يشمل تشجيع الاستثمارات الخاصة في قطاع الطاقة، وتحسين الحوكمة في شركات الكهرباء الحكومية، وتطبيق سياسات تسعير عادلة تضمن استدامة القطاع مع حماية المستهلكين ذوي الدخل المحدود.

وأخيرًا، يجب أن تكون هناك خطط طوارئ فعالة للتعامل مع حالات انقطاع الكهرباء. وهذا يشمل ضمان توفر مصادر طاقة بديلة للمرافق الحيوية مثل المستشفيات ومحطات المياه، وتطوير أنظمة إنذار مبكر للتنبؤ بفترات ذروة الطلب والتخطيط لها.

وفي الختام فإن حل أزمة الكهرباء في العالم العربي يتطلب جهودًا متضافرة من جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ومع التخطيط السليم والاستثمار الكافي والإرادة السياسية، يمكن للدول العربية أن تتغلب على هذه التحديات وتضمن مستقبلاً مستدامًا وآمنًا للطاقة.

د / إســـــــــلام جمـــال الديـن شــــوقي
خـبيـــر اقتصاديات الطاقة والمُناخ
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، يكتب سلسلة مقالات مميزة على موقع “إنفينيتي الاقتصادية”، يتناول خلالها الأحداث العامة والاقتصادية بشكل شامل وتحليلي.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة