الاقتصاد الرمزي Token Economy هو مصطلح حديث نسبيًا، واكتسب شعبية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية وهو مفهوم عميق جدًا ويرتبط بموضوعات عدة وبصفةً خاصةً مرتبط بعالم المال blockchain والعملات المشفرة، ويمكن أن يوفر حوافز للمشاركين للمساهمة في النظام البيئي
الاقتصاد الرمزي هو نظام يستخدم الرموز المميزة فيه كوسيلة للتبادل داخل نظام بيئي معين، ويعتمد الاقتصاد الرمزي كأي اقتصاد على مبادئ الطلب والعرض، ويتم تحديد قيمة الرموز المميزة بواسطة السوق حيث يتم استخدام الرموز المميزة فيه لتجسيد الأشياء مثل الخدمات المختلفة أو الأصول أو حتى حقوق التصويت، ويتم في الغالب إنشاء الرموز المميزة علىBlockchain، مما يعزز من الشفافية وتحقيق عنصر الأمان في عمليات التبادل المختلفة.
تقنية: Blockchain
عبارة عن دفتر أستاذ لا مركزي يتم فيه تسجيل المعاملات بطريقة شفافة وآمنة، ويستخدم نظام التشفير لضمان سلامة البيانات وصحتها، كما أنه مقاوم للتلاعب والقرصنة، وفي أغلب الأمور ترتبط تقنية Blockchain بالعملات المشفرة، مثل Bitcoin البيتكوين، وهناك العديد من التطبيقات الأخرى مثل التصويت والتحقق من الهوية وإدارة سلسلة التوريد، ويمكن للاقتصاد الرمزي الاستفادة من تقنية blockchain بعدة طرق حيث تتيح التقنية إنشاء العقود الذكية، وهي عقود ذاتية التنفيذ يمكن برمجتها للتنفيذ تلقائيًا عند استيفاء شروط معينة، ويمكن استخدام العقود الذكية لأتمتة توزيع الرموز والمكافآت والحوافز، كما تتيح تقنية blockchain إنشاء تطبيقات لا مركزية، وهي تطبيقات تعمل على blockchain ويمكنها التفاعل مع العقود الذكية.
ويمكن استخدام الاقتصاد الرمزي بطرق عديدة سواء كان الشخص مهتم بالاستثمار فيه أو عن طريق إنشاء اقتصاد خاص به، ولكنه يعتمد بصفة أساسية على فهم المكونات المختلفة التي يتكون منها النظام وكذلك عن طريق فهم كيفية إنشاء الرموز المميزة وكيفية توزيعها وكذلك طرق استخدامها، كل هذا بالإضافة إلى هيكل الإدارة واقتصاديات النظام، ولنضرب مثالًا على ذلك حيث يتم إنشاء الرموز المميزة في الاقتصاد الرمزي وتوزيعها على المشاركين في النظام البيئي ويتم الحصول عليها من خلال طرق مختلفة كتقديم الخدمات وأداء المهام وكل هذا يتم في إطار النظام البيئي، وكل ذلك يتم تحديده بناءً على قاعدة الطلب والعرض حيث يتم تحديد قيمة الرموز المميزة عن طريق السوق.
الاقتصاد الرمزي وتعديل السلوك
ويُعدُ الاقتصاد الرمزي هو أحد أهم تقنيات تعديل السلوك وتحليل السلوك التطبيقي على مدار الأربعين عامًا الماضية حيث وجد أنه من الطرق السريعة والمفيدة جدًا مع الأطفال عندما نريدهم أن يتبعوا التعليمات المدرسية أو يقوموا بأداء الأعمال المنزلية أو الامتناع والحد من سلوك كالضرب عند الغضب ففي هذه الحالة نجد أن الاقتصاد الرمزي من الأدوات التأديبية الفعالة والقائمة على مبدأ التعزيز، وبالتالي يمكننا تعريف الاقتصاد الرمزي هنا بأنه هو ذلك النظام التعزيزي المعقد الذي تقدم فيه وتسحب منه المعززات الرمزية عند حدوث السلوك المستهدف، حيث تستبدل فيما بعد بالمعززات الحقيقية.
وعند تناولنا للمعززات فنجد أن هناك معززات أولية طبيعية، وأخرى ثانوية ويطلق عليها المعززات الشرطية وهي تلك التي اكتسبت خاصية التعزيز بسبب اقترانها المكرر بمعززات أولية، وهناك أيضًا المعززات المعممة وهي مثيرات اكتسبت صفتها نتيجة لارتباطها بمعززات أولية أو ثانوية متعددة، فهناك معززات يزول أثرها سريعًا وهناك معززات أخرى يستمر أثرها لفترة طويلة مثل النقود حيث يتم استبدالها بالطعام أو أي شيء محبب لدى الأفراد.
وهناك 3 مكونات رئيسية للاقتصاد الرمزي:
- تحديد السلوك المراد تعزيزه.
- تحديد نوع المعزز الرمزي.
- تحديد المعززات الحقيقية التي يمكن استبدال المعزز الرمزي بها فيما بعد.
والآن نطرح سؤال ما هي المعززات الرمزية التي يمكن استخدامها أو الاعتماد عليها؟
يشير اصطلاح “الرمزية” إلى المثيرات أي المعززات مثل الأشياء المادية البسيطة والملموسة والتي يمكن حملها في اليد، فمن الممكن أن يكون الاقتصاد الرمزي من المعززات المادية مثل التذاكر، أو النقاط، أو العلامات، أو قطع بلاستيكية، أو البطاقات المطبوعة ذات الوجوه المبتسمة أو القطع المعدنية، أو ختم يوضع على ورقة، وجميعها يمكن أن تشكل نقودًا يستطيع الفرد الشراء بها أو استبدال عدد منها بمعززات متنوعة يكون الشخص في حاجة إليها.
أما المعززات البديلة: تكون هي المعززات التي يحصل عليها الطفل عن طريق استبدالها ( شرائها) بالرموز، ويمكن أن تكون معززات مادية، نشاطية، حسية.. إلخ.، ويجب أن يكون المعزز الرمزي آمنًا خاصةً مع الأطفال الصغار إذ قد يحاول بعضهم بلعها أو قضمها، لهذا يتطلب الأمر اختيار معزز رمزي غير مؤذ، وأن تقدم ممن يطبق النظام مع الطفل كالوالدين، أو من قبل المشرف أو الأخصائي، ويجب أن تكون بسيطة من حيث الشكل بحيث لا تفسح المجال للطفل باستعمالها أداة للهو، وأن تكون متوفرة وسهل الحصول عليها.
كما يمكن للقواعد اللفظية أن تقوم بتحويل المثيرات المحايدة إلى معززات رمزية بشكل سريع، وذلك عن طريق الوصف اللفظي للمنظومة السلوكية والتي تشمل توضيح لكل مكونات الاقتصاد الرمزي وآلية عملها فعلى سبيل المثال عندما يتم إنجاز الواجب المنزلي، سوف يتم الحصول على نقطة، وعندما يتم تجميع عشرة نقاط سوف يتم استبدالها بالمعززات المفضلة.
ويجب أن يتم تحديد السلوكيات المستهدفة غير المرغوب فيها التي سيتم التخلص منها، بالإضافة إلى معدل الخسارة الرمزية لكل حالة من هذه السلوكيات ويكون ذلك بمثابة مكون لتكلفة الاستجابة، ويقصد بتكلفة الاستجابة هي عقوبة أو غرامة التي تفرض على الطفل حيث يتم أخذ معزز رمزي منه لخرقه القواعد أو الانخراط في سلوكيات غير مرغوب بها، ومن الهام جدًا أن يكون الطفل على دراية بالقواعد قبل استخدام أي تكلفة استجابة، ولا يجب استخدام أسلوب تكلفة الاستجابة إذا لم يكن لدى الطفل معززات رمزية بالفعل.
فوائد الاقتصاد الرمزي
يؤثر بشكل إيجابي في مجال التعليم والرعاية الصحية، نظرًا لأنه وسيلة فعالة لتحفيز السلوك المرغوب ومكافأة الأفراد على جهودهم من خلال تقديم الرموز كمكافأة لإكمال مهمة أو تحقيق هدف، حيث أنه يكون من المتوقع أن يبذل الفرد أقصى ما في جهده للحصول على المكافأة، وينطبق هذا بشكل خاص على الأطفال والطلاب، الذين يستجيبون جيدًا للتعزيز الإيجابي، فمثلًا عندما يقدم المعلم رموزًا للطلاب الذين انتهوا من أداء واجباتهم المنزلية في الوقت المحدد أو قاموا بالمشاركة في مناقشات الفصل، وبالتالي فإن هذا سوف يؤدي إلى زيادة المشاركة وبيئة تعليمية أكثر إيجابية.
يؤدي الاقتصاد الرمزي أيضًا إلى تحسين نتائج التعلم عندما يتم استخدام الرموز لمكافأة السلوك الإيجابي، فمن المؤكد أن يتم تكرار نفس السلوك في المستقبل. ويمكن مشاهدة تأثير ذلك وبصفة خاصة في مجال التعليم، حيث يتم مكافأة الطلاب الذين حققوا درجات جيدة من خلال تحفيز التعلم، حيث سيكون من المرجح أن يبذل الطلاب الجهد المطلوب لتحقيق النجاح.
يمكن استخدام الاقتصاد الرمزي في مجال الرعاية الصحية لتحسين نتائج المرضى فمثلاً قد تقوم المستشفى بتقديم رموزًا للمرضى الذين يلتزمون بالخطة العلاجية الخاصة بهم أو يحضرون في المواعيد حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين نتائج المرضى وذلك من خلال تحفيز السلوك الإيجابي لديهم، ومن المرجح في هذه الحالة أن يقوم المرضى بدور أنشط في الرعاية الصحية الخاصة بهم ومتابعة خطة علاجهم.
كما يمكن للاقتصاد الرمزي أيضًا أن يعزز من التعاون والعمل الجماعي من خلال تقديم رموز للعمل معًا وتحقيق هدف مشترك، فمن المرجح أن يعمل الأفراد معًا ويدعمون بعضهم البعض، ويمكن استخدامه أيضًا في الشركات الناشئة لزيادة ولاء العملاء من خلال تقديم الرموز كمكافأة لشراء المنتجات أو الخدمات، حيث يمكن أن يكون هذا فعالاً بشكل خاص في مجال كالبيع بالتجزئة حيث يعد ولاء العميل من الأشياء الهامة جدًا للاستمرار ولتحقيق النجاح.
تحديات وسلبيات الاقتصاد الرمزي
لا يزال اقتصاد الرمز وتكنولوجيا blockchain في المراحل الأولى من التطوير، وهناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى معالجة حيث إنه هناك مخاوف بشأن الخصوصية والأمان، حيث إن تقنية blockchain ليست محصنة ضد الهجمات والاختراقات، وهناك نقص في التوحيد القياسي والتنظيم في مجال الاقتصاد الرمزي، مما قد يؤدي إلى الارتباك وحدوث حالة عدم اليقين بالنسبة للشركات والمستهلكين، كما أنه هناك مشكلات تتعلق بقابلية التوسع في تقنية blockchain ، والتي يمكن أن تحد من اعتمادها في التطبيقات واسعة النطاق.
مازالت الرموز المميزة تخضع لتقلبات السوق، مما قد يؤدي إلى تقلبات الأسعار، وهذا يجعل من الصعب على الشركات أن تسعر منتجاتها وخدماتها ويمكن أن يؤثر أيضًا على قيمة الرموز المميزة الخاصة بها، وللتخفيف من هذه المخاطر، يمكن للشركات أن تفكر في استخدام العملات المستقرة أو الرموز المميزة المدعومة بعملات ورقية أو أصول أخرى، يعتمد الاقتصاد الرمزي من أجل أن يكون ناجحًا على سياسة التبني على نطاق واسع ومع ذلك يمكن أن يكون التبني بطيئًا بسبب نقص الوعي والثقة والبنية التحتية ومن أجل مواجهة وتخفيف حدة هذه المخاطر، يجب على الشركات أن تركز على بناء الثقة مع مستخدميها، وتعمل على تثقيفهم حول فوائد الاقتصاد الرمزي، والاستثمار في البنية التحتية مثل البورصات والمحافظ وبوابات الدفع.
ويأتي من بين التحديات أو السلبيات قد لا تكون الرموز المميزة من منصات وأنظمة بيئية مختلفة متوافقة مع بعضها البعض، مما قد يحد من فائدتها واعتمادها، وللتخفيف من هذه المخاطر يمكن للشركات العمل على تطوير معايير وبروتوكولات قابلة للتشغيل البيني تسمح بنقل الرموز واستخدامها عبر منصات مختلفة، كما أن الاقتصاد الرمزي معقد ومرهق للبعض أحيانًا ويحتاج إلى تدريب الكوادر والمتابعة المستمرة ويحتاج إلى أن يتم سحبه وإيقافه في بعض الحالاـت التي لم تحقق النتائج المرجوة حيث يكون هناك احتياج لتحديث المعززات النهائية بين الحين والآخر وعندما تفقد المعززات النهائية قيمتها يفقد النظام فاعليته لذلك فإن الاقتصاد الرمزي يغرس التعزيز الاجتماعي من قبل القائمين على التطبيق فضلاً على أنه قائم على عملية التعزيز الذاتي.
د / إســلام جـمال الـديـن شـــوقي
خبير الاقتصاد ومحلل أسواق المال
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي