لم يعد التعليم ترفًا أو امتيازًا، بل هو سلاح البقاء في عالم يتغير بسرعة كبيرة في زمن الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والاقتصاد القائم على المعرفة أصبح التعليم هو الحد الفاصل بين التبعية والريادة بين الركود والتقدم بين الفقر والكرامة.
إن مصر بتاريخها الممتد وحضارتها العريقة تدرك أن بناء الإنسان هو المدخل الحقيقي لبناء الدولة ولذلك جعلت من التعليم أحد المحاور الرئيسية في السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية ورؤية مصر 2030 التي تستهدف تحقيق تعليم عالي الجودة وشامل ومنصف ومستدام قادر على إعداد جيل يبتكر ولا يقلد ويُفكر ولا يُلقَّن ، والحق في التعليم ليس مجرد مقعد دراسي أو شهادة بل حق في الوعي في التفكير النقدي في تكافؤ الفرص والتحدي اليوم لم يعد فقط في توسيع قاعدة الالتحاق بالتعليم بل في تحسين نوعيته وربطه بسوق العمل ومتطلبات العصر الرقمي.
ولهذا تسعى مصر لتطوير المناهج وتدريب المعلمين وتوسيع برامج التحول الرقمي في المدارس والجامعات مع دعم التعليم الفني والتكنولوجي الذي يمثل قاطرة المستقبل الصناعي.
ولا يمكننا أن نتحدث عن التعليم دون أن نُشير إلى دور الشباب والمجتمع المدني والأحزاب في حماية هذا الحق ، فالمبادرات المجتمعية مثل “حياة كريمة” وتكافل وكرامة و”مبادرة التعليم للجميع” تؤكد أن التنمية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي شراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص ، كما أن تمكين الفتيات والمرأة في التعليم هو حجر الأساس في نهضة المجتمعات فحين تتعلم الفتاة تتعلم أسرة بأكملها وحين تُمنح الفرصة تبني جيلاً من القادرين لا المنتظرين.
نحن نعيش في منطقة تشهد تحولات عميقة منها أزمات اقتصادية وصراعات جيوسياسية وتحديات بيئية وكلها تُعيد صياغة مفهوم الأمن القومي حيث لم يعد الأمن مجرد قوة السلاح، بل أصبح التعليم هو خط الدفاع الأول عن الأوطان لأنه يصنع المواطن الواعي المستنير القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف بين البناء والهدم فى ظل توحش السوشيال ميديا ، كما تزداد أهمية تدويل التعليم وتطوير الشراكات الأكاديمية الدولية حتى تظل مصر لاعباً فاعلاً في إنتاج المعرفة لا مجرد مستهلك لها.
إن شباب مصر هم عماد الحاضر وصُنّاع المستقبل والتعليم ليس مجرد فرصة تُمنح، بل مسؤولية تُمارس ،وليجعل الشباب من كل معلومة يكتسبونها بذرة تزرع وعياً جديداً في المجتمع لأن التغيير الحقيقي يبدأ من عقول الشباب .
الأثر الاقتصادي للتعليم في دعم النمو والتنافسية في مصر
يمثل التعليم أحد المحركات الجوهرية للاقتصاد المصري في المرحلة الراهنة ليس فقط كخدمة اجتماعية بل كاستثمار إنتاجي طويل الأجل يسهم مباشرة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية وجذب الاستثمارات المباشرة وتنويع القاعدة التصديرية، فالتعليم اليوم لم يعد مجالًا للتثقيف فحسب بل أصبح البنية التحتية الحقيقية للاقتصاد الحديث ، وحسنا فعلت الحكومة حين رفعت مخصصات التعليم والصحة والبحوث فى ميزانية عام 2025/2026 الى نسب أعلى من النسب المقررة فى الدستور لعام 2014 وتعديلاته عام 2019، ونعرض الى النقاط التالية :-
1-التعليم والناتج المحلي الإجمالي : تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن كل سنة إضافية من التعليم يمكن أن ترفع إنتاجية العامل بنسبة تتراوح بين 8 إلى 10%، وهو ما ينعكس على زيادة معدلات النمو الاقتصادي الإجمالي وفي الحالة المصرية فإن الاستثمار في تطوير التعليم الفني والتكنولوجي يُعد من أهم أدوات تعزيز القيمة المضافة في الاقتصاد خاصة مع توجه الدولة نحو تعميق التصنيع المحلي وزيادة الصادرات.
ووفقًا لتقديرات وزارة التخطيط والتعاون الدولي فقد ساهم قطاع التعليم (بمستوياته المختلفة) بنحو3.4% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024/2025 مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 5% بحلول 2030 بفضل التوسع في التعليم التكنولوجي والرقمي وهذه الزيادة لا تُقاس فقط بمخرجات التعليم النظامي، بل أيضًا بتأثيره غير المباشر في تحسين جودة رأس المال البشري وهو العنصر الأكثر أهمية في معادلة النمو.
2-التعليم والتصدير: يسهم التعليم في تحسين تنافسية الصادرات المصرية من خلال تطوير المهارات التقنية والإدارية في القطاعات الإنتاجية والخدمية ، فكلما ارتفعت جودة التعليم تحسنت كفاءة سلاسل الإمداد والتصنيع وزادت فرص مصر في توسيع صادراتها ذات القيمة المضافة العالية وليس فقط المواد الخام أو السلع منخفضة التقنية كما يعزز التعليم من القدرات اللغوية والتكنولوجية للعاملين في قطاع الخدمات مما يفتح آفاقًا أمام صادرات الخدمات التعليمية والرقمية مثل التعليم عن بُعد وبرامج التدريب المهني والخدمات التكنولوجية العابرة للحدود (Outsourcing)والتى حققت حوالى 7 مليار دولار العام الماضي.
وقد بدأت مصر بالفعل في الاستفادة من ذلك بتوسيع برامج الجامعات الدولية والمناطق التعليمية الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة مما يفتح بابًا لتصدير التعليم واستقطاب طلاب من إفريقيا والعالم العربي.
3-التعليم وجذب الاستثمار : يعتبر التعليم ركيزة أساسية في بيئة الاستثمار إذ يبحث المستثمر الأجنبي دائمًا عن قوة عاملة مؤهلة وقادرة على التكيف مع التكنولوجيا الحديثة وقد ساعد التوسع في الجامعات التكنولوجية والمدارس الدولية في السنوات الأخيرة على تحسين تصنيف مصر في مؤشرات التنافسية العالمية خاصة في محور المهارات وكفاءة سوق العمل.
كما أن الربط بين التعليم وسوق العمل من خلال مبادرات مثل “اتصال التعليم بالصناعة” و”مبادرة مصر الرقمية” عزز من قدرة مصر فى جذب استثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والتصنيع الذكي وهي القطاعات التي تمثل مستقبل النمو الاقتصادي العالمي.
وتشير بيانات وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية أن نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية الجديدة تتجه حاليًا نحو قطاعات تعتمد على المعرفة والتقنية بفضل توافر كوادر مصرية مدربة وانخفاض تكاليف التعليم والتدريب مقارنة بالأسواق المنافسة.
4-التعليم والذكاء الاصطناعي: أصبح الذكاء الاصطناعي حاليا المحرك للثورة الصناعية والتعليم هو مدخله الطبيعي وبدأ التحول في السياسات التعليمية المصرية نحو دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بدءًا من المراحل الإعدادية ووصولًا إلى الجامعات ومراكز البحوث بما في ذلك إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي الذي يعمل على توطين التقنيات الذكية في قطاعات التعليم، والصحة، والزراعة، والصناعة.
وهذا التحول من شأنه أن يضاعف الإنتاجية ويُحدث نقلة نوعية في هيكل الاقتصاد إذ تشير التقديرات الدولية إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 14% بحلول 2030 ومصر يمكنها أن تستفيد من هذه الموجة إذا واصلت دمج التعليم الرقمي والبحث العلمي في التنمية الاقتصادية ، كما أن تخريج كوادر مصرية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يُعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي لخدمات التكنولوجيا في الشرق الأوسط وإفريقيا ويدعم خططها للتحول إلى اقتصاد معرفي تنافسى .
وعليه، فان التعليم في مصر لم يعد مجالًا للإنفاق الاجتماعي بل أصبح أداة استراتيجية للنمو الاقتصادي الشامل وكل جنيه يُستثمر في التعليم يعود مضاعفًا في صورة زيادة الإنتاجية وارتفاع الصادرات وتحسين جاذبية الاستثمار وتعزيز الابتكار المحلي ، ويجعل التعليم مصر قوة استقرار إقليمية تدعم السلم والتنمية بدلاً من الصراع ويمنح القاهرة مكانة ريادية في تشكيل مستقبل المنطقة ، كما أن الاستثمار في التعليم والذكاء الاصطناعي يمثل الضمان الحقيقي لاستدامة التنمية ولتحقيق طموحات مصر في أن تكون مركزًا إقليميًا للتصنيع والتكنولوجيا والخدمات.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.