الأحد, 14 ديسمبر, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

اقتصاد يصنع الفرص: نحو نموذج تنموي مصري منتج ومنافس

تقف مصر حاليًا عند مفترق طرق فبعد ما يقرب من عقد كامل على بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2016 ورغم ما تحقق من استقرار مالي ونقدي وتحديث كبير للبنية التحتية بدأت تتصاعد الأسئلة حول طبيعة النموذج التنموي القادر على حماية اقتصاد دولة محورية في منطقة تعج بالتوترات السياسية والنزاعات العسكرية وتواجه في الوقت نفسه تحديات داخلية تتعلق بالإنتاجية وسوق العمل وتكلفة المعيشة. وهل يكفي ما تحقق؟ وهل يمتلك الاقتصاد المصري مقومات التحول إلى نموذج أكثر صلابة وإنتاجية؟ والإجابة التي تفرضها الحقائق:  نعم بشرط تبنّي نموذج تنموي جديد يتجاوز مرحلة الإصلاح إلى مرحلة التنافسية والابتكار ويرتكز على تعظيم الإنتاج وتفعيل القوة الخدمية لمصر وتنويع مصادر الدخل القومي وتحقيق أثر مباشر على حياة المواطن.

ويحلل المقال بعمق ويقدم رؤية واقعية تستند إلى معطيات الاقتصاد المصري وبيئته الإقليمية مع طرح مسار تنموي قادر على تحويل التحديات إلى فرص ، ونعرض لأهم محاور الرؤية كما يلي :-

 

أولًا: من الإصلاح إلى البناء وأين تقف مصر اليوم؟ تم إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولى عام 2016 حيث أعاد الاستقرار النقدي والمالي ونجح في ضبط الموازنة العامة وتعزيز الاحتياطي النقدي وتحسين بيئة الاستثمار وتوسيع شبكات الطرق والطاقة والموانئ ، وعلى الرغم من قوة هذه البنية لم تصل ثمار النمو بالقدر الكافي إلى المواطن ولم تتحول البنية التحتية إلى قدرة إنتاجية كاملة وهذا ما يؤكد ضرورة الانتقال من مرحلة “تهيئة الأرض” إلى مرحلة بناء نموذج إنتاجي تنموي فعلى .

 

ثانيًا: نموذج التنمية الأنسب لمصر “التنمية الإنتاجية الموجهة للصادرات “يعد هذا النموذج الأكثر قدرة على التكيف مع تركيبة الاقتصاد المصري ومع المشهد الإقليمي المضطرب وهو يقوم على 4 ركائز مركزية:-

 

  • تعميق التصنيع وزيادة القيمة المضافة : يمتلك الاقتصاد المصري فرصة ذهبية لزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي من خلال التركيز على: الصناعات الغذائية والدوائية والصناعات الهندسية الخفيفة والمتوسطة (مثل مكونات السيارات والأجهزة الكهربائية) والصناعات الكيماوية والأسمدة والصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة والهيدروجين ، وكذا الاستمرار فى تشييد عدد أكبر من المدن والمناطق الصناعية.

وهذه الصناعات قادرة على خلق وظائف واسعة وتقليل الاعتماد على الواردات وتوليد إيرادات دولارية مستقرة

 

  • زراعة ذكية تعزز الأمن الغذائي وتدعم التصدير: يملك القطاع الزراعي المصري إمكانات كبيرة غير مستغلة بالكامل خاصة بعد دخول 4.5 مليون فدان مستصلحة بحلول عام 2026 ويمكنه التحول إلى رافعة تنموية عبر تطبيق نظم الري الحديثة وتطوير سلاسل القيمة الزراعية وإدخال التكنولوجيا الزراعية والتوسع في إنتاج محاصيل تصديرية عالية القيمة.

وتخلق الزراعة الحديثة وظائف للمجتمعات الريفية وتحد من الفقر وتقلل من هشاشة الأمن الغذائي أمام الصدمات الدولية.

 

ثالثًا: قطاع الخدمات كنز مصر الحقيقي (يولد 51% من الناتج المحلى الاجمالى) الذي لم يستغل بالكامل:

 

ويعتبر القطاع هو الأكثر مرونة في الاقتصاد المصري والأقدر على توليد العملات الحرة ويشمل القطاع :

1-السياحة: قوة لا تتوقف ويمتاز القطاع السياحي المصري بتنوع فريد بين السياحة الشاطئية والثقافية والبيئية والعلاجية والدينية وسياحة المؤتمرات ورغم تأثره بالأزمات العالمية والإقليمية فقد أثبت قدرة كبيرة على التعافي السريع  وتتمثل الفرصة الكبرى فى تعظيم الاستفادة من المتحف المصرى الكبير والآثار المصرية وتعزيز السياحة منخفضة التأثر بالأزمات مثل السياحة العلاجية وهى الفرصة المؤجلة حيث تملك مصر كنوزًا علاجية طبيعية غير مستغلة مثل: سفاجا -سيوة -وادي النطرون إلى جانب قدرات طبية مرموقة وتكلفة علاجية تنافسية وهذا القطاع يمكن أن ينمو إلى مليارات الدولارات سنويًا إذا تم تطوير مراكز متخصصة وتفعيل الشراكات الدولية ، وأيضا رفع جودة الخدمات والتوسع في جذب أسواق جديدة وتطوير السياحة الداخلية.

 

2-قناة السويس: الذهب الملاحي لمصر: يظل الممر الملاحي الأهم في العالم مصدرًا حيويًا للدخل القومي وورقة استراتيجية تعزز مكانة مصر العالمية حيث يعبر خلاله 14% من التجارة العالمية للحاويات ، ويمكن رفع العائدات من خلال: زيادة الخدمات المساندة للسفن وتطوير وزيادة عدد المناطق الصناعية واللوجستية في محور القناة وتأمين سلاسل الإمداد العالمية في منطقة مضطربة سياسيًا.

إن قناة السويس ليست مجرد “ممر” بل مركز قيمة مضافة يمكن أن يتحول إلى محور صناعي تجاري عالمي .

 

3- اللوجستيات موقع مصر هو رأس المال الأكبر من خلال شبكة الطرق العملاقة والربط الإقليمي بين آسيا وأفريقيا والموانئ البحرية والجافة حيث يمكن لمصر أن تصبح مركزًا لوجستيًا إقليميًا يخدم 1.6 مليار مستهلك حولها، وهذا القطاع وحده قادر على خلق عشرات آلاف الوظائف وجذب استثمارات صناعية مرتبطة بالنقل وزيادة الدخل من العملات الحرة.

 

4-تحويلات العاملين المصريين بالخارج وتمثل اقتصاد موازٍ وتعد التحويلات ركيزة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتتميز بأنها ثابتة نسبيًا وترفع مستويات معيشة ملايين الأسر وتدعم الاحتياطي النقدي.

هذا، وتستطيع مصر تعزيز دورها عبر أدوات استثمارية موجهة للمصريين بالخارج وبرامج ادخارية قادرة على تحويل جزء من هذه التحويلات إلى استثمارات منتجة .

 

5-الخدمات التكنولوجية وتمثل المستقبل الذي يبدأ الآن حيث تشهد مصر نموًا في خدمات التعهيد  (Outsourcing)  وخدمات الذكاء الاصطناعي وتطوير البرمجيات وزيادة عدد حاضنات الأعمال وهي خدمات لا تتأثر بالصراعات الإقليمية وتعتمد على قوة بشرية شابة وتولد دخلًا مرتفعًا .

 

رابعًا: كيف يتكيّف النموذج التنموى المقترح مع منطقة مضطربة؟ يعتبر الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا من أكثر الأقاليم اضطرابًا في العالم، ولكن النموذج المقترح يعالج هذه الهشاشة عبر تنويع الشركاء التجاريين والاعتماد على قطاعات أقل تأثرًا بالصراعات (تكنولوجيا – لوجستيات – زراعة تعاقدية) وتعزيز الأمن الغذائي والطاقة بأنواعها واستثمار استقرار مصر مقارنة بدول الجوار.

 

خامسًا: المواطن هو البوصلة النهائية لأي نموذج تنموي:  حتى ينجح أي نموذج تنموي يجب أن ينعكس على حياة المواطن عبر وظائف أكثر ودخل أعلى عبر الصناعة والزراعة الحديثة والخدمات وخفض تكلفة المعيشة من خلال زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الواردات وتحسين الخدمات العامة نتيجة زيادة الإيرادات وتقوية شبكات الحماية الاجتماعية لضمان عدالة التوزيع.

 

وطبقا للنموذج التنموى فان الأولوية الآن ينبغي أن تركز على:

-تحفيز الصناعة التحويلية والتصدير (حوافز، تسهيلات، بنية تحتية صناعية).

-تحديث الزراعة وتوسيعها نحو التصدير.

-الاستثمار في الخدمات ذات القيمة العالية (تكنولوجيا – لوجستيات – سياحة).

-بناء سياسات تشجع مشاركة القطاع الخاص، تسهيل الاستثمار، حماية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وضبط بيئة الاستثمار.

 

وفى الختام ، فإن مصر اليوم أمام فرصة تاريخية ليس فقط لإعادة بناء اقتصاد بعد إصلاحات، بل لإعادة صياغة اقتصاد جديد اقتصاد إنتاجي، متنوع، تنافسي، مستدام، قادر على خلق فرص حقيقية للمواطن، وتحقيق مكانة إقليمية ودولية لبلد يستحق.

كما أن مستقبل الاقتصاد المصري لن يُحسم برقم في الموازنة أو شهادة دولية بل بنموذج تنموي جديد قادر على تحويل مصر من اقتصاد يواجه الأزمات إلى اقتصاد يصنع الفرص، ونرى أن النموذج الإنتاجي الموجه للصادرات والمدعوم بقطاع خدمات قوي ومتنوع هو الطريق الواقعي لبناء اقتصاد  قادر على المنافسة وعلى حماية المواطن وعلى ترسيخ مكانة مصر كقوة إقليمية اقتصادية في منطقة لا تعرف الاستقرار فى عالم يتغير كل يوم، ولايوجد ضمان للمستقبل الا باقتصاد ينتج ويصدّر ويبتكر وهذا هو النموذج التنموى المناسب لمصر ويجب دعمه وترجمته إلى سياسات واضحة ومشروعات ملموسة.

 

       الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

  عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة