هل الحروب التجارية التى أشعلها الرئيس ترامب هى نهاية مرحلة العولمة ومؤسسات بريتون وودز أم بداية لمرحلة جديدة لتشييد نظام عالمى جديد يقتسم الأقوياء الغنم ويدفع الضعفاء الغرم، وما بينهما دول تسعى للوصول لمكانة عالمية معينة تحافظ على مصالحها وتستفيد من تعدد الاقطاب العالمي.
وتعد الحروب التجارية بين الصين والولايات المتحدة خلال فترتي الرئيس الأمريكى دونالد ترامب واحدة من أكثر النزاعات الاقتصادية تأثيرًا في العصر الحديث وأدت هذه الحرب إلى اضطراب الأسواق وإعادة تشكيل التجارة العالمية وزيادة التنافس التكنولوجي وعلى الرغم من الاتفاقات اللاحقة لا يزال الصراع الاقتصادي بين البلدين مستمرًا خاصة في مجالات التكنولوجيا والاستثمار.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الحرب في التأثير على مستقبل الاقتصاد العالمي وأسواق المال والعلاقات الدولية في السنوات المقبلة حيث تسعى كل من واشنطن وبكين إلى فرض نفوذهما الاقتصادي عالميًا.
خلفية الحرب التجارية بين الصين وأمريكا: كانت الصين والولايات المتحدة تتمتعان بعلاقات تجارية قوية منذ عقود، ولكن مع صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية بدأت الولايات المتحدة تنظر إليها كمنافس رئيسي بسبب العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والصين واتهام الصين بممارسات تجارية غير عادلة، مثل سرقة الملكية الفكرية، والإعانات الحكومية للشركات المحلية، وإجبار الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا وكذا التنافس التكنولوجي في مجالات مثل شبكات الجيل الخامس (5G)، وأشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي.
وقد اتخذ الرئيس ترامب عدد من الإجراءات منها فرض تعريفات جمركية على أكثر من 360 مليار دولار من المنتجات الصينية، بحجة حماية الصناعات الأمريكية وبحلول عام 2019، وصلت الحرب التجارية إلى ذروتها، مع فرض رسوم جمركية متبادلة بمعدلات تتراوح بين %10 و25% على مختلف السلع. واستهدفت إدارة ترامب شركات صينية كبرى مثل “هواوي”، حيث تم منعها من شراء المكونات الأمريكية الحيوية، بما في ذلك أشباه الموصلات كما فرضت قيود على الشركات الأمريكية للتعامل مع الشركة الصينية لصناعة أشباه الموصلات ومنعت الحكومة الأمريكية الشركات الصينية من الوصول إلى التقنيات المتقدمة في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي:
1- التأثير على الاقتصاد الأمريكي: أدت الحرب التجارية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وزادت أسعار السلع المستوردة من الصين وتضرر المزارعون الأمريكيون بشدة، خاصة مع تقليل الصين وارداتها من الصويا والمنتجات الزراعية، مما دفع الحكومة الأمريكية إلى تقديم دعم مالي بقيمة 28 مليار دولار للمزارعين. كما زادت حالة عدم اليقين لدى المستثمرين، مما أثر على الأسواق المالية وأضعف ثقة قطاع الأعمال.
2- التأثير على الاقتصاد الصيني : تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني إلى 6% في 2019، وهو أدنى معدل نمو منذ ثلاثة عقود كما تراجعت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 16، مما أثر على التصنيع والتوظيف في العديد من القطاعات ودفع الضغط الأمريكي الصين إلى تسريع جهودها في تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، من خلال الاستثمار الضخم في صناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا الفائقة.
3- التأثير على التجارة الدولية: أدت الحرب التجارية إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، حيث قامت الشركات بتحويل مصانعها من الصين إلى دول أخرى مثل فيتنام، المكسيك، والهند وزاد استخدام الاتفاقيات التجارية الثنائية بدلاً من الاتفاقيات المتعددة الأطراف، مثل الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، كما أثرت التعريفات الجمركية على الطلب العالمي مما أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي في 2019.
4- الدروس المستفادة من الحرب التجارية: التعريفات الجمركية ليست الحل الأمثل ولم تحقق الحرب التجارية الهدف المعلن لترامب، حيث لم تتقلص الفجوة التجارية بين البلدين بشكل كبير، وأصبحت الصين أكثر اعتمادًا على نفسها وزادت استثمارات الصين في التكنولوجيا المتقدمة، مما قلل من حاجتها للولايات المتحدة وزاد الاعتماد على التكتلات الإقليمية بسبب الحروب التجارية، واعادة تشكيل سلاسل التوريد.
هذا ، وتظﻬﺮ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ تشهد مصر ﻓﺮﺻﺎ ﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭﻳة جديدة سواء من الصين أو أوربا، وﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻢ مراقبة هذه ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍر الحروب التجارية التى قد تؤدى الى زيادة الاستثمارات الصينية فى مصر بشكل خاص لتصبح مصر أحد المراكز العالمية للتصنيع.
