الخميس, 2 أكتوبر, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

الذهب والخوف: كيف شكلت أحداث 11 سبتمبر الاقتصاد العالمي؟

لم يكن يتخيل أحد أن دخان برجي التجارة العالمي في يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 لن يغطي فقط سماء مانهاتن، بل سيمتد ليشمل الاقتصاد العالمي حيث كانت تلك اللحظات المفصلية نقطة تحول غيرت مسار العولمة الاقتصادية وأعادت تعريف مفاهيم الأمن والاستقرار المالي على مستوى العالم.

 

ولقد تفاجئ الجميع عندما أغلق السوق الأمريكي أبوابه لأربعة أيام متتالية، كانت هذه أطول فترة إغلاق منذ أزمة الثلاثينات والتي تعرف بالكساد العظيم، ولم يكن هذا الإجراء مجرد إجراء وقائي، بل كان اعترافًا صارخًا بهشاشة النظام المالي العالمي، وعندما عادت الأسواق للعمل في يوم 17 سبتمبر شهد مؤشر داو جونز انهيارًا تاريخيًا حيث خسر خلاله أكثر من 684 نقطة في يوم واحد، ولم تكن هذه مجرد أرقام على شاشات التداول، بل كانت تعكس ذعرًا حقيقيًا اجتاح قلوب المستثمرين في جميع أنحاء العالم.

 

ولقد جاء رد فعل الاحتياطي الفيدرالي سريعًا وحاسمًا حيث قام بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات في شهر واحد فقط، وضخ أكثر من 100 مليار دولار من السيولة في النظام المصرفي، وكان هذا التدخل غير المسبوق بمثابة صفعة على وجهة النظر التقليدية التي كانت تقيد تدخل البنوك المركزية، وأصبح من الواضح أن القواعد القديمة لم تعد تنطبق على العالم الجديد الذي كان يتشكل أمام أعيننا.

 

إن ما حدث بعد ذلك كان أشبه بزلزال غير معالم جغرافيا الاقتصاد العالمي حيث فرضت إجراءات أمنية مشددة غيرت بشكل جذري طبيعة التجارة الدولية، وأصبحت الحاويات البحرية تخضع لفحوصات أمنية متطورة، وظهرت أنظمة تتبع جديدة، وتضاعفت تكاليف الشحن بشكل غير مسبوق.

 

كما دفع قطاع الطيران التجاري ثمنًا باهظًا خلال الأسبوع الأول بعد الهجمات حيث ألغيت أكثر من 100 ألف رحلة جوية، وتوقفت حركة السفر الجوي تقريبًا، ولقد وجدت شركات الطيران الكبرى التي كانت تعتبر من عمالقة الاقتصاد الأمريكي نفسها على حافة الانهيار، وتطلب الأمر خطة إنقاذ حكومية بلغت 15 مليار دولار لمنع انهيار القطاع بالكامل.

 

ولقد ولدت صناعات جديدة لم تكن موجودة من قبل حيث تحولت شركات الأمن السيبراني والتكنولوجيا الأمنية من مشاريع صغيرة إلى عمالقة في مجال التكنولوجيا حيث أصبحت أنظمة التعرف على الوجوه، والكشف عن المتفجرات، والمراقبة الإلكترونية جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، كما عاد الذهب من جديد

للواجهة مرة أخرى كملاذ آمن حيث قفز سعر الأونصة من 271 دولارًا في سبتمبر 2001 إلى أكثر من 800 دولار في السنوات اللاحقة، ولم يعد الذهب مجرد تحوط ضد التضخم، بل أصبح رمزًا للأمان في عالم مليء بعدم اليقين.

 

إن المخاطر الاقتصادية التقليدية لم تعد هي الهاجس الوحيد لدى المستثمرين، بل أصبحت المخاطر الجيوسياسية عاملاً حاسماً في قرارات الاستثمار حيث أعاد المستثمرون العالميون النظر في استراتيجياتهم حيث تدفقت رؤوس الأموال نحو أسواق كانت تعتبر أسواقًا ثانوية سابقًا، بينما أصبحت الآن بعض الوجهات التقليدية أقل جاذبية حيث بدأت الشركات متعددة الجنسيات في تنويع عملياتها بشكل أكثر ذكاءً.

 

ولم يعد التركيز على توفير التكاليف فقط، بل أصبح تأمين سلاسل التوريد ضد الصدمات الجيوسياسية أولوية قصوى، فظهر مفهوم “التكلفة الأمنية” كبند دائم في الميزانيات التشغيلية، والآن وبعد أكثر من عقدين، لا يزال إرث 11 سبتمبر واضحًا في كل جوانب حياتنا الاقتصادية فالتكاليف المباشرة وغير المباشرة تقدر بتريليونات الدولارات، لكن الأهم هو التحول في العقلية الاقتصادية.

 

لقد أصبح الأمن الاقتصادي جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي فالاستثمارات في البنية التحتية للأمن السيبراني، وأنظمة الحماية للبنى التحتية الحيوية، وتأمين سلاسل التوريد لم تعد رفاهية، بل ضرورة استراتيجية، وقفز الإنفاق العسكري الأمريكي من 304 مليارات دولار في 2001 إلى أكثر من 700 مليار دولار في ذروة الحرب على الإرهاب، ولم تمول هذه الزيادة الهائلة العمليات العسكرية فقط، بل غيرت بشكل أعمق في هيكل الاقتصاد الأمريكي نفسه.

 

الدروس المستفادة لاقتصادات اليوم

 

نواجه اليوم تحديات جديدة فمن جائحة كوفيد-19 مرورًا إلى التضخم العالمي، يمكننا أن نستفيد من الدروس التي قدمتها لنا أزمة 11 سبتمبر فلقد علمتنا أن المرونة أهم من القوة، والتنوع أهم من التركيز، والاستعداد للمخاطر غير المتوقعة هو أفضل استثمار يمكن أن تقوم به أي دولة أو شركة.

 

ولقد أثبت الاقتصاد العالمي أنه قادر على التعافي والنمو حتى بعد أقسى الصدمات، لكن الثمن الذي دفعه كان باهظًا، والدروس التي تعلمها كانت قاسية فربما يكون هذا هو الإرث الأهم لأحداث 11 سبتمبر: تذكير دائم بأن في عالمنا المعولم، لا يوجد شيء اسمه “أزمة محلية” – فكل صدمة محلية تتحول بسرعة إلى ظاهرة عالمية.

 

إن هذه الدروس أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، في عالم يعاني من تقلبات جيوسياسية متزايدة وتحديات اقتصادية غير مسبوقة، فقصة التعافي من 11 سبتمبر تبقى نبراسًا يضيء الطريق للأجيال القادمة في إدارة الأزمات وبناء اقتصادات أكثر مرونة وقدرة على مواجهة المستقبل المجهول.

 

د / إســــــــلام جــمــــال الـــديـــن شـــــــوقـــي

            خـــــبـيـر اقــتصـــــــــــــــادي

عــضـو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة