جاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع السيد سيرجي شويجو سكرتير مجلس الأمن الروسى ليؤكد انتقال الشراكة بين القاهرة وموسكو من مستوى التنسيق السياسي إلى التنفيذ العملي في مجالات الدفاع والطاقة والاستقرار الإقليمي ويبرز متانة الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا في توقيت إقليمي ودولي بالغ الحساسية، وناقش الجانبان تعزيز التعاون العسكري والتقني وتسريع تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية وتوسيع مجالات الشراكة في الطاقة والأمن الغذائي والتجارة كما تناول اللقاء تطورات الأوضاع في غزة وليبيا والسودان والتنسيق بشأن قضايا الاستقرار الإقليمي.
ويعكس اللقاء حرص القاهرة على تنويع علاقاتها الدولية وتحقيق توازن بين الشرق والغرب فيما ترى موسكو في مصر شريكًا محوريًا وبوابة استراتيجية لإفريقيا والعالم العربي وركيزة جديدة لدعم المصالح المتبادلة وتعزيز الأمن الإقليمي مع التركيز على تحويل الاتفاقيات إلى مشروعات تنفيذية تعود بعوائد مباشرة على الاقتصاد المصري والمواطن.
إن مرور حوالي 81 عامًا من العلاقات الممتدة بين القاهرة وموسكو تجعل الحديث عن العلاقات المصرية–الروسية ليس مجرد رصد لحصاد اللحظة، بل قراءة لمسار تاريخي يعكس قدرة الطرفين على إدارة المصالح في عالم مضطرب وبين تحولات الحرب الباردة والأزمات الدولية الراهنة حافظت مصر وروسيا على خيط من التواصل الاستراتيجي الذي أعاد تشكيله الجيل الحالي من القادة ليواكب واقعًا أكثر براجماتية وانفتاحًا على المصالح المتبادلة.
وقد نجحت القاهرة خلال العقد الأخير في تحويل العلاقة مع موسكو من مجرد تعاون سياسي إلى شراكة متعددة الأبعاد تقوم على مزيج من الاقتصاد والطاقة والدفاع والتكنولوجيا والسياحة دون أن تفقد بوصلتها التقليدية تجاه الغرب أو محيطها العربي وهذه القدرة على الموازنة جعلت مصر تحافظ على موقعها كأحد اللاعبين القلائل القادرين على التحدث إلى جميع الأطراف في زمن الاستقطاب الدولي.
تحالف المصالح لا الأيديولوجيا:-
وسبق أن أكدت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو في مايو 2025 ولقائه مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن العلاقات بين البلدين تسير وفق منطق المصالح الواقعية لا الشعارات السياسية وقد جاءت تلك الزيارة تتويجًا لعام من التنسيق المكثف بين القاهرة وموسكو في ملفات الطاقة والأمن والتجارة وتأكيدًا على أن مصر تنظر إلى روسيا كشريك استراتيجي وليس كبديل عن الغرب في إطار سياسة خارجية تقوم على تنويع الشراكات وتوسيع دوائر الحركة.
وفي المقابل تدرك روسيا أن مصر تمثل بوابة استراتيجية إلى إفريقيا والعالم العربي وشرق المتوسط وأن استقرار القاهرة يعزز حضور موسكو في فضاء إقليمي يموج بالتغيرات حيث تنظر موسكو إلى القاهرة كشريك قادر على حفظ التوازن في معادلات الشرق الأوسط خصوصًا في ظل تصاعد الأزمات في غزة، وليبيا، والسودان وأوكرانيا.
الاقتصاد والطاقة رافعة الشراكة:-
يحتل الملف الاقتصادي موقع القلب في العلاقات الثنائية فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 6.6 مليار دولار عام 2024 بينما يشهد مشروع محطة الضبعة النووية تقدمًا ملموسًا بوصفه أكبر مشروع تعاون في تاريخ العلاقات المصرية–الروسية كما زاد التعاون في مجالات الحبوب والطاقة والنقل والبتروكيماويات إضافة إلى استئناف حركة السياحة الروسية إلى المقاصد المصرية بعد انقطاع طويل.
ويبرز الطابع العملي للشراكة حيث تستفيد القاهرة من التكنولوجيا والخبرة الروسية في مجال الطاقة وترى موسكو في مصر مركزًا مثاليًا لتوسيع حضورها الصناعي والتجاري في إفريقيا والمنطقة العربية ، كما تدرك القاهرة ضرورة تنويع مصادر التكنولوجيا والتمويل حتى لا تقع تحت ضغط طرف واحد خصوصًا في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وتداعياتها الاقتصادية.
الأبعاد الإقليمية والدولية:-
بالنسبة للصعيد الإقليمي توظف مصر علاقاتها مع روسيا لدعم الاستقرار الإقليمي وليس لخلق محاور جديدة فهي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي ودول الخليج وتستخدم قنواتها مع موسكو لطرح مبادرات في ملفات الأمن الغذائي والطاقة وتسوية النزاعات في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وبالنسبة للصعيد الدولى ، تتعامل القاهرة مع روسيا باعتبارها قوة كبرى في النظام الدولي الجديد متعدد الأطراف الذي يتشكل بين الشرق والغرب لكنها في الوقت نفسه حريصة على البقاء في موقع التوازن لا الاصطفاف مع أى منهما .
ولاتغيب التحديات حيث العقوبات المفروضة على موسكو قد تؤثر على تمويل بعض المشروعات والتقلبات في سوق الطاقة العالمية تفرض ضغوطًا على الجانبين ، ومع ذلك تبدو القاهرة قادرة على تطوير الشراكة في مجالات الصناعة والزراعة والبحث العلمي وربط التعاون النووي والطاقة بمناطق لوجستية وصناعية محلية تحقق قيمة مضافة عالية للاقتصاد المصري خاصة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وفى الختام ، نرى أن العلاقات المصرية–الروسية اليوم ليست استعادة للماضي بقدر ما هي إعادة صياغة للحاضر بمفردات المصالح المتبادلة فالقاهرة لا تبحث عن تحالفات مغلقة، بل عن شراكات مرنة تحقق الاستقلال الاستراتيجي وتخدم رؤيتها للتنمية المستدامة.
ومع تسارع وتيرة التحولات في النظام الدولي، تبقى مصر وروسيا أمام فرصة تاريخية لتحويل تعاونهما من مجرد تنسيق سياسي إلى نموذج متوازن للعلاقات بين دولة عربية محورية وقوة كبرى تبحث عن موقع جديد في عالم متعدد الأقطاب ، وسيعتمد النجاح في ذلك على مدى قدرة مصر وروسيا على المواءمة بين الطموحات السياسية والحسابات الاقتصادية وبين الثقة المتبادلة ومبدأ المصالح العملية .
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.



