في عام 2024، شهدت القارة الإفريقية سلسلة من الفيضانات العارمة التي لم يسبق لها مثيل، حيث تأثرت مساحات شاسعة من شمال وغرب إفريقيا. من ضمن هذه الكوارث، تعرضت الصحراء الكبرى، أكبر صحراء حارة في العالم، إلى أمطار غزيرة غير متوقعة بلغ مجموعها 750 ملم في بعض المناطق، مقارنة بالمتوسط السنوي الذي لا يتجاوز 25 ملم. هذه الأمطار الغزيرة أدت إلى فيضانات غمرت أكثر من 400,000 كيلومتر مربع، وأجبرت ما يزيد عن 3 ملايين شخص على النزوح في الجزائر، موريتانيا، مالي، وليبيا.
الفيضانات في مالي والسودان ودول أخرى، تعكس بشكل واضح التأثيرات المتزايدة للتغير المناخي على القارة. في مالي، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات واسعة النطاق، ما أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص وتدمير البنية التحتية، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من هشاشة في نظام الصرف. في السودان، تفاقمت الأوضاع مع فيضان نهر النيل الذي أدى إلى تدمير المحاصيل والمنازل، وزيادة التحديات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع الكوارث الطبيعية، مع العلم أن السودان يعاني أصلاً من مشكلات اقتصادية وأمنية.
كما شهدت دول أخرى مثل النيجر وتشاد أحداثًا مماثلة، حيث تأثرت المناطق الساحلية والداخلية على حد سواء، نتيجة لهطول الأمطار الغزيرة التي تخطت المعدلات السنوية المعتادة، ما أدى إلى فيضانات كبيرة دمرت الأراضي الزراعية وأثرت على سبل العيش.
هذه الكوارث الطبيعية المتتالية تعكس زيادة تكرار الأحداث المناخية القاسية في إفريقيا، مما يفرض تحديات هائلة على أنظمة التأمين وإعادة التأمين في القارة، خاصة في ظل محدودية الموارد والبنية التحتية المخصصة للتعامل مع هذه الكوارث.
فق تجاوزت الأضرار الاقتصادية 35 مليار دولار، بينما من المتوقع أن تصل المطالبات التأمينية المتعلقة بالفيضانات إلى 8 مليارات دولار، مما يشكل تحديًا كبيرًا لشركات التأمين وإعادة التأمين التي تعمل في إفريقيا. هذه الأحداث الكارثية تسلط الضوء على التغيرات المناخية السريعة وتضع صناعة التأمين أمام ضرورة عاجلة لإعادة تقييم نماذج المخاطر وابتكار حلول تتناسب مع هذه التغيرات.
لا تُعرف الصحراء الكبرى، أكبر صحراء حارة في العالم، بارتباطها بالمياه أو الفيضانات. إلا أن التحولات المناخية غير المسبوقة قد تسببت في حدوث فيضانات شديدة، مما حول أجزاء كبيرة من الصحراء إلى ما يشبه المحيط.
من الرمال إلى البحار
يعد هذا الحدث تذكيرًا صارخًا بتزايد تأثيرات التغير المناخي، وإشارة إلى ضرورة استجابة قطاعي التأمين وإعادة التأمين، خصوصًا في إفريقيا وخارجها.
في تحول مناخي غير مسبوق عام 2024، غرقت الصحراء الكبرى تحت أمطار غزيرة، محولة مساحات شاسعة إلى ما يشبه المحيط. وصلت مستويات الأمطار إلى 700 ملم في بعض المناطق، وهو رقم مذهل مقارنة بالمتوسط السنوي البالغ أقل من 25 ملم.
تسببت هذه الفيضانات في غمر أكثر من 300,000 كيلومتر مربع، وتشريد أكثر من 2.5 مليون شخص في الجزائر، موريتانيا، ليبيا، ومالي. وقد تضررت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك قطاعات الزراعة والنفط والغاز.
التكلفة الاقتصادية لهذه الكارثة هائلة، مع توقعات بأن تتجاوز الأضرار 35 مليار دولار. ومن المتوقع أن تتجاوز المطالبات التأمينية المتعلقة بالفيضانات 6 مليارات دولار، مما يزيد الضغط على أسواق التأمين المحدودة بالفعل في شمال إفريقيا. كما ستتحمل صناعة إعادة التأمين العالمية جزءًا كبيرًا من هذه الخسائر، مما سيدفع إلى إعادة تقييم نماذج المخاطر في المناطق التي كانت تعتبر سابقًا منخفضة المخاطر بالنسبة للفيضانات.
تأثير الفيضانات على قطاعي التأمين وإعادة التأمين
- نماذج الكوارث والتغير المناخي
كشفت فيضانات الصحراء عن قصور في النماذج التقليدية المستخدمة لتقدير المخاطر من قبل شركات التأمين وإعادة التأمين. حتى وقت قريب، كانت الصحراء تعتبر منطقة منخفضة المخاطر بالنسبة للفيضانات، مع كون الجفاف هو الخطر الأكثر احتمالاً.
إن الطبيعة غير المتوقعة لهذه الفيضانات تؤكد الحاجة إلى دمج نماذج أكثر ديناميكية تستجيب للتغيرات المناخية، قادرة على التنبؤ بالأحداث النادرة ولكن ذات التأثير الكبير مثل هذا.
- خسائر الممتلكات والبنية التحتية
تسببت الفيضانات في تدمير القرى والممتلكات في المناطق التي توجد فيها تجمعات بشرية وزراعية وبنية تحتية حيوية مثل عمليات النفط والغاز. الشركات التي تعمل في هذه المناطق، وخاصةً تلك المشاركة في استخراج الموارد، تواجه خسائر كبيرة نتيجة التوقف عن العمل وتلف الأصول المادية.
- التأمين الزراعي
تعتمد الزراعة حول أطراف الصحراء بشكل كبير على الأمطار المحدودة والري. الفيضانات لم تدمر المحاصيل فقط، بل جرفت أيضًا أنظمة الري الحيوية. وبالتالي، سيضطر قطاع التأمين لتعديل عروضه لتعكس الأنماط المناخية المتغيرة.
فقدان سبل العيش
أثرت الفيضانات بشدة على القبائل البدوية التي تعتمد على الماشية كمصدر رئيسي للدخل. قد يصبح تأمين الماشية، الذي يُعتبر منتجًا خاصًا، ضرورة ملحة لهذه المجتمعات. كما أن مخاطر الوفاة الناجمة عن الفيضانات، والأمراض المنقولة بالمياه، وانقطاع الخدمات الطبية ستزيد من المطالبات التأمينية فى هذا المضمار
- مخاطر صناعة النفط والغاز
تشكل الفيضانات في الصحراء الكبرى خطرًا كبيرًا على صناعة النفط والغاز، التي تعتبر محركًا اقتصاديًا رئيسيًا في المنطقة. يجب على شركات إعادة التأمين التي تضمن هذه المخاطر إعادة تقييم التحديات التي قد تفرضها الفيضانات على العمليات في البيئات الصحراوية.
- التعافي الاقتصادي وانتشار التأمين
قد تتسبب الفيضانات في تأخير التعافي الاقتصادي في المناطق المتضررة. مع تدمير البنية التحتية والزراعة وسبل العيش، تزداد الحاجة إلى التأمين. ومع ذلك، فإن انتشار التأمين المنخفض في هذه المناطق يشكل تحديًا.
- إعادة التأمين ومستقبل التغطية في إفريقيا
تسلط فيضانات الصحراء الضوء على المخاطر المتزايدة في المناطق التي لم تكن تعتبر عادة عرضة للكوارث الجوية. سوف تحتاج شركات إعادة التأمين إلى تقديم تغطية أكثر شمولاً، بما في ذلك المخاطر المتعلقة بالفيضانات في مناطق مثل الصحراء الكبرى.
الطريق إلى الأمام: عصر جديد لصناعة التأمين وإعادة التأمين في إفريقيا
أبرزت فيضانات الصحراء الكبرى الحاجة الملحة لتكيف صناعات التأمين وإعادة التأمين مع المشهد المناخي المتغير، وفي ظل تزايد وتيرة الفيضانات والكوارث الطبيعية في إفريقيا، تحتاج صناعة التأمين وإعادة التأمين إلى تبني استراتيجيات وحلول مبتكرة لمواجهة هذه التحديات. فيما يلي بعض الحلول المقترحة
1. إعادة تصميم نماذج تقييم المخاطر المناخية
يجب على شركات التأمين الاستثمار في نماذج أكثر ديناميكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحليل الأنماط المناخية، مما يساعد في تقديم توقعات دقيقة حول المخاطر المتزايدة للفيضانات.
2- زيادة اعتماد التأمين الزراعي والتأمين ضد الكوارث
تطوير منتجات تأمين زراعي مخصصة وحلول تأمين ضد الكوارث لتوفير الحماية للمزارعين من خسائر المحاصيل والأصول الحيوية.
3 – توسيع انتشار التأمين الشامل
زيادة نطاق المنتجات التأمينية وجعلها في متناول شرائح أوسع من المجتمع، بما في ذلك التأمين الصغير (Microinsurance) للفئات ذات الدخل المحدود.
4 – التعاون بين القطاعين العام والخاص
تعزيز التعاون بين شركات التأمين والحكومات لتسهيل الوصول إلى منتجات التأمين، مع دعم دولي لزيادة الوعي بأهمية التأمين.
5- التأمين القائم على المعايير البارامترية
تقديم حلول التأمين البارامتري، التي تعتمد على مؤشرات محددة مثل كمية الأمطار، لتسريع تقديم التعويضات وتقليل التعقيدات.
6- تعزيز برامج إعادة التأمين
توسيع اتفاقيات إعادة التأمين مع شركات دولية لتحمل العبء المالي وتقليل المخاطر.
7- استخدام التكنولوجيا الحديثة
استخدام الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي لتسريع تقييم الأضرار وتحسين استجابة الشركات.
- التركيز على بناء القدرة على الصمود
دعم المشاريع المستدامة مثل البنية التحتية المقاومة للفيضانات والتقنيات الخضراء لتعزيز القدرة على التعافي.
ختاماً، إن التغيرات المناخية تفرض تحديات كبيرة على قطاع التأمين وإعادة التأمين في إفريقيا، لكنها تفتح أيضاً فرصاً للابتكار والنمو. من خلال تبني حلول شاملة ومرنة، يمكن لهذا القطاع حماية المجتمعات وتعزيز قدرة القارة على التعافي من الكوارث الطبيعية المستقبلية.
الدكتورة أماني الماحي
رئيس قطاع – مصر للتأمين