مlتحديات متزايدة وأهمية التحول الجذري تشهد صناعة التأمين على مستوى العالم تحولات جذرية بسبب تنامي آثار الكوارث الطبيعية وتعقيداتها. الزلازل، الأعاصير، الفيضانات، وغيرها من الظواهر الطبيعية باتت تشكل خطرًا مباشرًا على الأرواح والممتلكات، مما يضع شركات التأمين وإعادة التأمين أمام مسؤولية ضخمة لتقديم نماذج تقييم مخاطر دقيقة. ومع ذلك، تعاني نماذج التأمين الحالية في العديد من الأسواق الآسيوية، بل وحتى الأسواق العالمية، من نقص حاد في التفاصيل، وهو ما برز بشكل واضح خلال زلزال تركيا الأخير، حيث تجاوزت الخسائر التوقعات بسبب ضعف البيانات المتوفرة واعتمادها على أسس عامة وغير دقيقة.
الفجوة بين الواقع والنماذج الحالية
تُبنى معظم نماذج تقييم المخاطر الطبيعية على بيانات مجمعة تقدمها شركات التأمين. لكن هذه البيانات غالبًا ما تقتصر على تقسيمات جغرافية عامة مثل “مناطق كريستا زونز”، دون أن تأخذ في الحسبان تفاصيل المنشآت والبنية التحتية لكل موقع.
آثار هذه الفجوة تشمل:
1. مخرجات غير دقيقة للنماذج: تعكس بيانات عامة تعجز عن احتساب المخاطر الفعلية.
2. قرارات خاطئة: تؤدي إلى تصميم اتفاقيات إعادة تأمين ضعيفة أو مكلفة دون تحقيق الهدف.
3. مخاطر مالية غير محسوبة: تعجز الشركات عن تقدير الاحتياطيات الكافية لمواجهة الكوارث.
مظاهر النقص في البيانات تشمل:
• عدم تسجيل مواد البناء، وهي عامل رئيسي في تحديد مقاومة المنشآت للزلازل والرياح.
• غياب بيانات تاريخ البناء والكود الهندسي المطبق، مما يؤدي إلى تجاهل تطور المعايير الهندسية.
• عدم مراعاة المنشآت المجاورة وتأثيرها المتبادل خلال الكوارث مثل شبكات النقل أو المصانع الكبيرة.
أهمية البيانات التفصيلية: حجر الأساس لنماذج دقيقة
لتحقيق نقلة نوعية في نماذج تقييم المخاطر، يجب على شركات التأمين تبني تسجيل بيانات تفصيلية تغطي كافة جوانب المنشآت والمناطق المستهدفة. هذه البيانات يمكنها أن تُحدث ثورة في طريقة عمل نماذج المخاطر.
تشمل البيانات المطلوبة:
1. خصائص البناء: نوع المواد المستخدمة ومدى مقاومتها.
2. تاريخ التشييد: الذي يساعد في تحديد مدى الالتزام بالمعايير الهندسية المطبقة في وقت البناء.
3. عدد الطوابق والتصميم الداخلي: الذي يُظهر قدرة المبنى على تحمل المخاطر المختلفة.
4. الموقع الجغرافي الدقيق: باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتحديد قرب المنشأة من الفوالق الزلزالية أو مصادر المخاطر الأخرى.
5. البيئة المحيطة: مثل وجود محطات نقل، مصانع، أو منشآت أخرى تؤثر على شدة وتأثير الكارثة.
كيف تُغير البيانات التفصيلية مخرجات النماذج؟
1. تحسين الدقة:
تتيح البيانات التفصيلية للنماذج تقديم تقديرات أقرب إلى الواقع، مما يضمن تحسين استراتيجيات إدارة المخاطر.
2. بناء هيكل إعادة تأمين أقوى:
تصبح الاتفاقيات مصممة على أسس علمية دقيقة، مما يقلل من احتمالية العجز أو الخسائر المفاجئة.
3. تعزيز الثقة بين الأطراف المعنية:
شركات إعادة التأمين، الوسطاء، وحتى العملاء يثقون أكثر بالبيانات الدقيقة والنماذج المستندة إلى الواقع.
4. تقليل التكاليف على المدى الطويل:
من خلال تجنب الأخطاء الناتجة عن التقديرات غير الدقيقة.
التكنولوجيا كعامل تمكين رئيسي
تعتبر التكنولوجيا الحديثة الأداة المثلى لتجاوز التحديات المرتبطة بجمع وتحليل البيانات. يمكن للتقنيات المتقدمة أن تُحدث تغييرًا جذريًا في هذا المجال:
• الذكاء الاصطناعي (AI): تحليل البيانات الضخمة واكتشاف الأنماط الخفية لتقدير المخاطر.
• إنترنت الأشياء (IoT): جمع البيانات المباشرة من أجهزة استشعار تُثبت في المباني لرصد التغيرات الهيكلية.
• الطائرات بدون طيار (Drones): إجراء مسوحات ميدانية شاملة ودقيقة.
• أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS): تحديد المواقع وتحليلها بما يتوافق مع مصادر الخطر.
دراسة حالة: زلزال تركيا كنموذج للتحديات والحلول
قدمت الكارثة التي ضربت تركيا مثالًا حيًا على أهمية البيانات التفصيلية. فقد أظهرت النماذج الأولية تقديرات خسائر أقل بكثير مما وقع فعليًا، بسبب الاعتماد على بيانات عامة فقط. لو توفرت بيانات دقيقة عن خصائص البناء، تاريخ التشييد، والتجاور بين المنشآت، لكانت النماذج قادرة على تقديم تقديرات أكثر واقعية.
التوصيات: خطوات عملية نحو تحسين البيانات والنماذج
1. وضع سياسات إلزامية: على الجهات التنظيمية إجبار شركات التأمين على تقديم بيانات تفصيلية.
2. استثمار في التكنولوجيا: تخصيص موارد لتطوير البنية التحتية الرقمية اللازمة لجمع البيانات.
3. تعزيز التعاون: بين شركات التأمين، معيدي التأمين، والوسطاء لتوحيد قواعد البيانات.
4. إطلاق مبادرات تدريبية: لتطوير كفاءات العاملين في القطاع حول أهمية ودقة جمع البيانات.مستقبل صناعة تأمين أكثر استدامة
إن تحقيق الدقة في تقييم مخاطر الكوارث الطبيعية ليس خيارًا بل ضرورة لحماية المجتمعات وضمان استدامة القطاع. يتطلب هذا تحولات جذرية في طريقة جمع البيانات، مع الاعتماد على التكنولوجيا لتعزيز الدقة والكفاءة. عبر هذه التحولات، يمكن لصناعة التأمين أن تصبح أكثر استعدادًا للتعامل مع الكوارث المستقبلية، وتقديم حماية فعالة للأفراد والمؤسسات.
د.أمانى الماحى
رئيس قطاع – مصر للتأمين
خبيرة إعادة التأمين
محكم دولى- مستشار العلاقات الدبلوماسية
الرئيس التنفيذى بمصر للمنظمة الافريقية لسيدات التأمينAIWA
المنبثقة من المنظمة الأفريقية للتأمينAIO