الجمعة, 7 مارس, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

تكلفة النفاق العالمي والمجتمعي والمؤسسي وسبل مواجهته

    إن النفاق سواء على المستوى العالمي أو المجتمعي أو المؤسسي له تكلفة اقتصادية باهظة قد لا تكون ظاهرة بشكل مباشر لكنها تؤثر بشكل عميق على الاقتصاد والاستقرار المالي للدول والمؤسسات ويعبر النفاق الاجتماعي عن سعي الفرد لتحقيق مصالحه الشخصية دون مراعاة بالضرر الذي سيلحق بالآخرين والفرق بين المنافق والمجامل أن المنافق يظهر كذبه ونفاقه مباشرة بعد تحقيق مصالحة الشخصية، أما المجامل يظهر صدقه في كل الأوقات.

  ويتسبب النفاق الاجتماعي في ابتعاد الأفراد عن القيم والمبادئ والعدل وانتشار الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع وفقدان الثقة مما يؤثر على اقتصاديات المجتمع ، كما أن النفاق المجتمعي أوسع تأثيرًا وأشد خطرًا وحبله الزمني ممتد وهنا تبرز أهمية النخبة في قيادة المجتمع لتقليل التأثير السلبي للنفاق.

  ونشير إلى أن النفاق المؤسسي على مستوى المؤسسات والشركات يؤدي إلى الفساد وضعف الكفاءة وهروب المواهب كالتالي:-

1- الفساد المالي والإداري وهدر الموارد: حيث تتبنى بعض المؤسسات سياسات الشفافية ظاهريًا لكنها تمارس الفساد والمحسوبية وتعاني من انخفاض الإنتاجية وهدر الموارد.

2-هروب المواهب والكفاءات: عندما تعتمد الشركات على المجاملات بدلًا من الجدارة، يشعر الموظفون الأكفاء بالإحباط ويغادرون إلى بيئات أكثر عدالة ويؤدي هذا إلى فقدان رأس المال البشري، وهو أحد أهم عناصر النمو الاقتصادي في العصر الحديث.

3-فقدان ثقة المستثمرين وانهيار الشركات: عندما تقدم الشركات بيانات مالية غير دقيقة أو تتلاعب بتقارير الأداء، يفقد المستثمرون الثقة، مما يؤدي إلى انهيارات اقتصادية كبيرة.

  أما النفاق الدولي أو المعايير المزدوجة (double standards ) ، فهو مفهوم سياسي صيغ بهيئته الحديثة عام 1912، ويعني التنوع في المبادئ طبقًا للفئة أو الدولة التي يتم التعامل معها أو السماح لمجموعة دول وخاصة الدول المتقدمة بممارسة أفعال معينة لا يسمح بها للدول النامية.

وواقعيًا لم يعد هذا المصطلح مقتصرًا على السياسة فقط، بل أصبح منتشرًا في المصالح الحكومية والقطاع الخاص والعلاقات الاجتماعية .

ومثال ذلك قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي لا تنفذ إلا على الدول الصغيرة، بل وتأتمر كل المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية بأوامر ورغبات الدول المنشئة لها وخاصة الولايات المتحدة الامريكية .

  ومع استمرار المعايير المزدوجة تضيع حقوق ومصالح الدول النامية، بل وتتحمل في بعض الأحيان تكاليف تصرفات وأفعال الدول الصناعية الكبرى وخاصة في مجال تغير المناخ.

  ونعرض لبعض الحلول للحد من التكلفة الاقتصادية للنفاق بأنواعه :-

1- تعزيز الشفافية والمساءلة: فرض قوانين أكثر صرامة لمكافحة الفساد والاحتيال وتعزيز دور الإعلام المستقل في كشف النفاق السياسي والمؤسسي.

2- إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية بتوجيه الموارد لحلول حقيقية بدلًا من حملات الترويج الزائفة والاستثمار في التعليم والتوعية لتعزيز القيم الأخلاقية في العمل والسياسة.

3- تعزيز دور المؤسسات الرقابية من خلال إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة أداء الحكومات والشركات وفرض عقوبات مالية صارمة على المؤسسات التي تخالف مبادئ الشفافية والنزاهة.

4- تشجيع الابتكار والكفاءة بدلاً من المحسوبية ووضع أنظمة مكافآت قائمة على الأداء وليس العلاقات الشخصية وخلق بيئة عمل عادلة تعزز من التنافسية والإبداع.

  إن النفاق بجميع مستوياته يحمل تكلفة اقتصادية ضخمة تؤثر على الاستقرار المالي والتنمية المستدامة ويتسبب في الفساد وهدر الموارد وفقدان الثقة وتراجع النمو الاقتصادي.

  وفي مصر تبرز أهمية الإسراع بتنقية وغربلة القوانين وتطبيق مفاهيم الحوكمة والشفافية والشمول المالي بما يؤدي لتقليل تدخل العنصر البشري في معظم المجالات ليس فقط للقضاء علي الفساد وانما البدء في غرس مبادئ وقيم تساهم في التطوير والتنمية والمنافسة ويقتنع الراشي والمرتشي والمنافق أن الأبواب قد أغلقت باستثناء باب العمل والاجتهاد وتنمية المهارات وترسيخ أسس العدل والمساواة ولن يأخذ أحد حق زميله بل ستكون الخبرة والكفاءة هي المعيار في التقييم والترقي .

  هذا، ويكلف الفساد الاقتصاد العالمي حوالي 2.6   تريليون دولار سنويًا وفقًا للبنك الدولي وهو ما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والشركات التي تعتمد على العلاقات بدلًا من الكفاءة تعاني من ضعف الإنتاجية وتراجع القدرة التنافسية.

 

     الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

  عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

 

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة