لم تعد الدول تُقاس بحجم جيوشها أو احتياطاتها من النقد الأجنبي فقط ، بل بقدرتها على قراءة المستقبل والتفاعل الذكي مع التحولات العالمية وتبرز مصر – بما تمتلكه من مقومات جغرافية، وديموغرافية وثقافية وتقنية – كدولة تسعى لا إلى استعادة دورها فقط، بل إلى إعادة صياغته بشكل معاصر وشامل.
ويشهد العالم تحولات هيكلية في موازين القوة والنفوذ حيث النظام الدولي يتجه نحو التعددية القطبية كما أن التكنولوجيا تعيد توزيع عناصر القوة وتعزز من أدوار الدول متوسطة الحجم التي تمتلك طاقات بشرية ومعرفية وأصبح الأمن القومي يقاس بالمعلومات، والمناخ، والغذاء، والبيانات.
وتتحرك مصر بثقة لتعيد مكانتها كقوة إقليمية ذكية وقادرة على لعب دور دولي فاعل ، وتكتب فصلها الجديد في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي حيث لم تعد التكنولوجيا خيارًا بل ضرورة استراتيجية وأدركت مصر مبكرًا أن مستقبلها يعتمد على مدى قدرتها على تمكين العنصر البشري الشبابي أكثر من 65% من السكان تحت سن الـ35، مما يجعل مصر واحدة من أكثر الدول شبابًا في المنطقة كما تعمل مصر على توطين أدوات الثورة الصناعية الرابعة وأهمها الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل (البلوك تشين) وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة ، ونشير لأبرز المبادرات المصرية في هذا السياق:-
-الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (2021 – 2030): وتهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعى في الاقتصاد والإدارة والتعليم والدفاع.
-مبادرة “بُناة مصر الرقمية”: برنامج متكامل لإعداد نخبة تقنية تقود التحول الرقمي من داخل الدولة.
-مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية: حاضنة رقمية للتكنولوجيا والصناعات المستقبلية.
-تحول القرى المصرية إلى وحدات ذكية من خلال مبادرة “حياة كريمة”، التي تعد من أضخم مشروعات العدالة الرقمية والاجتماعية في العالم.
إن التحول الرقمي فى مصر لم يعد مجرد تحسين خدمات حكومية بل أصبح أداة لصياغة اقتصاد معرفي جديد حيث أصبحت الصادرات الرقمية أحد محاور جلب العملة الصعبة، حيث تضاعفت عوائد الخدمات الرقمية المصرية إلى أكثر من 6.5 مليار دولار عام 2024 ومن المنتظر أن تصل الى 10 مليار دولار نهاية عام 2025 ومصر ضمن أسرع 5 دول نموًا في سوق العمل عن بُعد عالميًا كما نجحت الشركات الناشئة المصرية في اختراق أسواق الخليج وإفريقيا بأفكار تكنولوجية تنافس عالميًا في مجالات التعليم المالي والزراعة الذكية والصحة الرقمية ، ونرى أن أمن مصر القومي في عصر البيانات لم يعد مقتصرًا على الحدود فهناك التهديدات السيبرانية العابرة للدول وحروب الجيل الخامس، التي تستهدف العقول والسرديات وثقة الشعوب ، وأن التحكم في البيانات الوطنية كعنصر سيادي لا يقل أهمية عن الحفاظ على الأمن القومى بمفهومه الشامل.
ومن هذا المنطلق، تطور مصر قدراتها في الأمن السيبراني وتُنشئ مراكز بيانات قومية وتبني أنظمتها السحابية الخاصة، كما تعمل على إدراج الذكاء الاصطناعي في صناعة القرار الاقتصادى والأمني والخدمى.
وتنشط الدبلوماسية الرئاسية والسياسة الخارجية المصرية التى تحولت من رد الفعل ، إلى التأثير المدروس في محيط إقليمي يعج بالأزمات وتلعب مصر دور “الوسيط الرشيد” القادر على حفظ التوازن بين القوى المتصارعة ودعم مفاهيم الدولة الوطنية ضد مشاريع التفتيت وبناء تحالفات متعددة قائمة على المصالح لا المحاور.
ومع انضمام مصر إلى تجمع البريكس في 2024، تعزز مصر استقلالية قرارها الاقتصادي وتنفتح على مصادر تمويل بديلة وشراكات جديدة وغير تقليدية.
ومع تحديات اقتصادية قابلة للتعامل مثل معدلات التضخم وعبء الدين وتكلفة المعيشة، فان اقتصاد مصر يتمتع بعوامل قوة وتميز مستقبلية أهمها سوق محلية ضخمة وقوة شرائية كامنة بعدد سكان 110 مليون نسمة واتفاقات تجارية ب 1.25 مليار نسمة ومشروعات بنية تحتية تربط مصر بثلاث قارات وفرص كبيرة في قطاع الطاقة المتجددة خاصة في الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وتسعى مصر أن تكون مركز لتجميع وتوطين سلاسل الإمداد العابرة من آسيا إلى أوروبا.
واقليميا ، ترفع مصر شعار الشراكة لا الوصاية مع القارة الافريقية برؤية جديدة فى شراكات رقمية لا مساعدات تقليدية واستثمار في الطاقة النظيفة والربط الكهربائي ودعم جهود الأمن الغذائي عبر نقل التكنولوجيا والمعرفة وتقوية التحالفات في عدد من الملفات عبر الحوار والتكامل الإقليمى.
هذا، ولم تعد مصر تُراهن فقط على الجغرافيا ولا على التاريخ رغم أهميتهما، بل على قوة الإرادة السياسية واستثمار الطاقات البشرية وتبني أدوات العصر، وأن تصبح مصر نموذجًا للدولة الذكية العادلة والمنتجة والمستقلة في قرارها السياسي والتقني والاقتصادى تنسيقا مع مصالح الدول العربية والافريقية ودول الجنوب مع المحافظة على علاقات متميزة مع القوى الكبرى، وبدأت تتشكل أسس هذا الطموح على أرض الواقع في وادي النيل وسيناء والصعيد والصحراء الغربية والعاصمة الادارية ومنطقة قناة السويس والساحل الشمالي.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.