قرار نقدي في لحظة تحول
أعلن البنك المركزي المصري في أبريل 2025 عن خفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس، ليصل سعر الإيداع إلى 25% وسعر الإقراض إلى 26%. يُعد هذا القرار الأول من نوعه منذ أكثر من خمس سنوات، ويعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة النقدية، يهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات، مع الحفاظ على استقرار الأسعار.
دوافع خفض أسعار الفائدة
شهدت مصر خلال الفترة الماضية تراجعًا ملحوظًا في معدلات التضخم، حيث انخفض معدل التضخم السنوي من 38% في سبتمبر 2023 إلى 13.6% في مارس 2025. هذا الانخفاض جاء نتيجة لتشديد السياسات النقدية وتلاشي تأثير الصدمات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت المؤشرات الأولية للربع الأول من عام 2025 تعافيًا مستدامًا في النشاط الاقتصادي، حيث تجاوز معدل النمو 4.3% المسجل في الربع الأخير من عام 2024. هذه العوامل مجتمعة وفرت مساحة للبنك المركزي لبدء دورة التيسير النقدي.
التأثيرات الاقتصادية العامة
يُتوقع أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تحفيز الاستثمار المحلي، خاصة في القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، من خلال تقليل تكلفة التمويل. كما سيساهم في زيادة الاستهلاك المحلي، نتيجة لانخفاض تكلفة الاقتراض للأفراد. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يخفف هذا القرار من عبء الدين العام، حيث ستنخفض تكلفة خدمة الدين، مما يمنح الدولة مساحة مالية لإعادة توجيه الإنفاق نحو القطاعات الحيوية.
التأثير على قطاع التأمين
الاقتصاد الأخضر – نمو متسارع نحو الاستدامة
تسعى مصر إلى تعزيز الاستثمارات الخضراء كجزء من استراتيجيتها للتنمية المستدامة. ففي عام 2024/2025، تستهدف الحكومة رفع نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى 50% من إجمالي الاستثمارات العامة، مقارنةً بـ15% في عام 2020/2021. ويأتي هذا التوجه في إطار تطبيق معايير الاستدامة البيئية على مشروعات الموازنة العامة، مع خطة لزيادة هذه النسبة إلى 75% بحلول عام 2030.
التأمين الأخضر
مع توجه الدولة نحو تعزيز الاستدامة، يُتوقع أن يشهد التأمين الأخضر نموًا ملحوظًا. سيشمل ذلك تطوير منتجات تأمينية جديدة تغطي المشروعات البيئية، مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات. كما ستجذب هذه المبادرات شركات إعادة التأمين العالمية المتخصصة في المخاطر البيئية
الاقتصاد الأزرق – فرص واعدة في البحار
يمثل الاقتصاد الأزرق محورًا استراتيجيًا لمصر، حيث يوفر هذا القطاع عالميًا نحو 500 مليون وظيفة ويساهم بـ40% من الأمن الغذائي العالمي، بالإضافة إلى توليد قيمة اقتصادية تُقدر بنحو 15 تريليون دولار. وفي السياق المحلي، ارتفعت استثمارات البنك الدولي في الاقتصاد الأزرق من 5 مليارات دولار في عام 2018 إلى أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2024، مع تخصيص 280 مليون دولار لدعم 100 دولة، معظمها في أفريقيا.
سيؤثر خفض الفائدة إيجابيًا على الاقتصاد الأزرق، من خلال تحفيز الاستثمارات في القطاعات البحرية والساحلية. سيشمل ذلك تأمين الموانئ، الأسطول التجاري، ومشروعات تحلية المياه. كما ستُطور وثائق تأمينية جديدة لتغطية المخاطر المرتبطة بالطاقة البحرية ومصائد الأسماك.
الشمول التأميني والتأمين متناهي الصغر
سيساهم خفض الفائدة في توسيع نطاق التأمين متناهي الصغر، من خلال تقليل تكلفة التمويل للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر. سيشمل ذلك تغطيات تأمينية للمعدات البسيطة، تقلبات المناخ، والتأمين على الحياة لأصحاب الحرف. كما سيُمكن المرأة والريفيات من الحصول على تغطيات تأمينية لمشروعاتهن الصغيرة، مما يعزز التمكين الاقتصادي.
شهدت مصر زيادة ملحوظة في معدلات الشمول المالي، حيث ارتفعت بنسبة 181% بين ديسمبر 2016 ويونيو 2024، ليصل عدد المواطنين الذين يمتلكون حسابات مالية إلى 44.6 مليون شخص. وفي قطاع التأمين، ارتفعت قيمة الأقساط المحصلة لنشاط تأمينات الممتلكات والمسؤوليات خلال أول 10 أشهر من عام 2024 إلى نحو 42.9 مليار جنيه، مقارنةً بـ30.85 مليار جنيه في نفس الفترة من عام 2023، بمعدل نمو 39.1%.
التأمين متناهي الصغر – دعم للفئات الأكثر احتياجًا
يُعد التأمين متناهي الصغر أداة فعالة لدعم الفئات الأكثر احتياجًا. فقد ارتفع عدد عملاء التأمين متناهي الصغر في مصر إلى 10.5 مليون عميل في عام 2023/2024، مقارنةً بـ9.5 مليون عميل في العام السابق، بنسبة نمو 10.3%. كما زادت قيمة أقساط التأمين متناهي الصغر إلى 586.1 مليون جنيه في العام المالي 2023/2024، مقارنةً بـ386 مليون جنيه في العام المالي 2022/2023، بمعدل نمو 51.8%.
تُظهر هذه الأرقام التقدم الملحوظ الذي تحققه مصر في مجالات الاقتصاد الأخضر والأزرق، بالإضافة إلى تعزيز الشمول التأميني والتأمين متناهي الصغر، مما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وشاملة
التحديات والفرص المستقبلية
رغم الفرص المتاحة، يواجه قطاع التأمين تحديات مثل ضعف الوعي بمنتجات التأمين الأخضر، الحاجة لإطار تشريعي وتنظيمي، وتأهيل الكوادر البشرية. للتغلب على هذه التحديات، يُوصى بإطلاق حملات توعية، تطوير برامج تدريبية، وتحديث التشريعات لتشجيع الابتكار في القطاع
آفاق مستقبلية وتوصيات استراتيجية
يمثل خفض أسعار الفائدة في مصر خطوة استراتيجية نحو تعزيز النمو الاقتصادي المستدام. من خلال دعم قطاع التأمين، خاصة التأمين الأخضر والأزرق، وتوسيع نطاق الشمول التأميني، يمكن تحقيق تنمية شاملة تعود بالنفع على جميع فئات المجتمع. لتحقيق ذلك، يجب على جميع الأطراف المعنية التعاون لتطوير السياسات، تعزيز الابتكار، وبناء القدرات اللازمة لدعم هذا التحول
د.أمانى الماحى/ رئيس قطاع – مصر للتأمين
- خبيرة إعادة التأمين ومحكم دولي
- مستشار العلاقات الدبلوماسية والرئيس التنفيذى بمصر للمنظمة الافريقية لسيدات التأمين AIWA المنبثقة من المنظمة الأفريقية للتأمينAIO.