تفاقم حجم الديون حول العالم إلى ذروته لتسجل رقما قياسيا لم يبلغه من قبل خلال العام الجاري 2024، إذ انه ووفقا لتقرير اقتصادي حديث صادر عن “معهد التمويل الدولي” فقد بلغ حجم الديون التي تقع على كاهل العالم ما قيمته 315 تريليون دولار، واشتملت تلك القروض على قروض الأسر والشركات إلى الحكومات، ومع ارتفاع الدين العالمي إلى مستوى قياسي، يدور في أذهان الجميع سؤال مفاده: “كيف وصلنا إلى ذلك؟”.
رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي “بورج برينده” قال مستغربا “لم نشهد هذا النوع من الديون منذ الحروب النابليونية”.
وفى العام الجاري 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي 109.5 تريليون دولار، أي كثر بقليل من ثلث رقم الدين العالمي. أو في شرح آخر، فإن هناك حوالي 8.1 مليار شخص يعيشون في العالم اليوم. وإذا قسمنا هذا الدين على أساس الشخص، فإن كل واحد منا سوف يكون مدينا بنحو 39 ألف دولار.
التقرير الذي أوردته “سي ان بي سي” الاقتصادية العالمية، اشار إلى ان الدين العالمي هو إجمالي محصلة الاقتراض الخاص بالأسر والشركات والحكومات. ويشمل الأول أشياء مثل الرهن العقاري وبطاقات الائتمان وديون الطلاب، وفي بداية عام 2024.
وبلغ اقتراض الأسر 59.1 تريليون دولار. أما ديون الشركات، التي تستخدمها الشركات لتمويل عملياتها ونموها، فبلغت 164.5 تريليون دولار، حيث يشكل القطاع المالي وحده 70.4 تريليون دولار من هذا المبلغ.
وأخيرًا، هناك الدين الحكومي، الذي يستخدم للمساعدة في تمويل الخدمات العامة والمشاريع دون زيادة الضرائب. ويمكن للدول الاقتراض من بعضها البعض، أو من المؤسسات العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي… لكن الحكومات يمكنها أيضًا جمع الأموال عن طريق بيع السندات، والتي تعد في الأساس سند دين من الدولة للمستثمرين؛ ومثل جميع القروض، فإنها تشمل الفائدة. وبلغ الدين الحكومي العام 91.4 تريليون دولار.
وعلى الرغم من أن الدين قد يكون له سمعة سيئة، فإنه ليس بالضرورة أمراً سيئاً. فقد يساعد الفرد في الحصول على التعليم أو الانضمام إلى سلم الملكية. كما أنه يمكّن الشركات من البدء والتوسع. ورغم أن الدين الوطني هو الأكثر إثارة للجدال من بين الثلاثة، فإنه يمكن أن يمنح الحكومات النفوذ الذي تحتاجه لبناء الاقتصاد، أو للإنفاق الاجتماعي، أو الاستجابة للأزمة.
وتظهر السجلات المكتوبة أن الدين العام موجود منذ ألفي عام على الأقل، ويستخدم في المقام الأول لإنشاء البلدات والمدن والولايات وتمويل الحروب. ولطالما تراكمت على الحكومات ديون ثقيلة من نفقات الحرب، مثل الحروب النابليونية، والحرب الفرنسية البروسية، والحرب الأهلية الأميركية في القرن التاسع عشر.
وأثارت الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب الأكثر تكلفة في التاريخ، العديد من أزمات الديون، حيث كانت معظم القروض المستحقة مستحقة للولايات المتحدة. ومنذ الخمسينيات، كانت هناك أربع موجات رئيسية من تراكم الديون.
نشأت الموجة الأولى من الديون في أميركا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين، مما دفع 16 دولة في تلك المنطقة إلى إعادة هيكلة اقتراضها.
وأثرت الموجة الثانية على جنوب شرق آسيا في مطلع القرن الحادي والعشرين. في حين تحملت الولايات المتحدة وأوروبا وطأة الموجة الثالثة من الديون العالمية خلال الأزمة المالية العالمية 2007-2008.
ونحن الآن في الموجة الرابعة، التي بدأت في عام 2010، وتزامنت مع جائحة كوفيد-19. واضطرت الحكومات إلى تحمل المزيد من الديون لمساعدة الشركات ومواطنيها على تخفيف تأثير عمليات الإغلاق.
وارتفع الدين العالمي إلى 256 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، بزيادة قدرها 28 نقطة مئوية – وأكبر ارتفاع في الديون لمدة عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية… لكن الوباء أدى فقط إلى تفاقم مشكلة كانت موجودة بالفعل، إذ كانت الديون تتراكم منذ عقد من الزمان على الأقل، حيث أنفق الأفراد والشركات والحكومات أكثر من إمكانياتهم، وبشكل متسارع منذ عام 2008.
هذا يقودنا إلى سؤال بالغ الأهمية: “متى يصبح الدين كبيرا وغير مستدام؟”، ببساطة، يحدث ذلك عندما لا يمكنك تحمله بعد الآن. على سبيل المثال، عندما تضطر الحكومة إلى إجراء تخفيضات في مجالات تضر بشعبها، مثل التعليم أو الرعاية الصحية، لمجرد مواكبة المدفوعات.