الثلاثاء, 15 يوليو, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

رسوم ترامب الجمركية الجديدة.. تصعيد خطير أم إعادة توازن لقواعد اللعبة؟

في خطوة تعكس تصعيدًا اقتصاديًا ذا أبعاد سياسية واستراتيجية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي والمكسيك، إلى جانب تهديدات مماثلة طالت 23 شريكًا تجاريًا أهمهم كندا، اليابان، والبرازيل. وهذه السياسة تعيد خلط أوراق النظام التجاري العالمي، وتثير مخاوف حقيقية من دخول الاقتصاد الدولي مرحلة جديدة من الاضطراب والتكتلات المتصارعة، مما يهدد بإعادة تشكيل بنية سلاسل الامداد والتوريد العالمية وتراجع النمو العالمي، وانهيار الثقة في المؤسسات متعددة الأطراف.

 

أولًا: خارطة التجارة الدولية بين أمريكا وشركائها :-

 

بلغ حجم التجارة مع الاتحاد الأوروبي عام 2024 ماقيمته 1.23 تريليون دولار وبلغت الصادرات الأمريكية إلى أوروبا 430 مليار دولار معظمها تكنولوجيا، طيران، طاقة بينما الصادرات الأوروبية إلى أمريكا حوالي 800 مليار دولار معظمها سيارات، منتجات طبية، كماليات.

وبلغ حجم التبادل التجاري مع المكسيك 856 مليار دولار في 2024 حيث تعتمد أمريكا على المكسيك في استيراد قطع غيار السيارات، والإلكترونيات الدقيقة، ومنتجات زراعية أساسية مع ملاحظة أن خمس ولايات أمريكية حدودية تعتمد بنسبة تفوق 40% من صادراتها على التبادل التجاري مع المكسيك.

وبخصوص باقى الشركاء التجاريين وأهمهم الصين، كندا، اليابان، البرازيل، كوريا الجنوبية، أستراليا، وتايوان فكل منهم له وزن استراتيجي في قطاعات رئيسية مثل المعادن، الغذاء، التقنيات الدقيقة، والنفط والسلع الهندسية.

 

ثانيًا: التحليل الاستراتيجي للقرار الأمريكى :-

 

تتركز دلالات القرار على الداخل الأمريكى فى حشد سياسي وانتخابي يهدف إلى مخاطبة القاعدة الصناعية التي صوتت لترامب وأيضا استعراض سيادي ضد المؤسسات الدولية كرسالة بأن أمريكا تعيد صياغة قواعد التجارة وفق “مصالحها الوطنية.

أما تأثير القرار على باقى العالم فلم تعد أمريكا مستعدة لتحمل “عجز تجاري هيكلي”، وتطالب بتناظر تجاري في المعاملات ، كما تريد من أوروبا والآخرين فتح أسواقهم بشكل أوسع أمام المنتجات والخدمات الأمريكية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والمالية والطاقة.

 

ثالثا :كيف استقبلت أوروبا والمكسيك والعالم القرار؟

 

وصفت أورسولا فون دير لاين القرار بأنه “غير متناسب ويعرض النظام التجاري العالمي للخطر بينما طالبتا فرنسا وألمانيا برد مشترك، يشمل فرض رسوم على منتجات أمريكية (التكنولوجيا، الخدمات السحابية، الطائرات الخاصة). وتسريع التقارب التجاري مع الصين والهند. وحشد دول مجموعة العشرين للضغط على واشنطن.

واعتبرت المكسيك القرار الامريكى تهديدًا مباشرًا للأمن الاقتصادي الإقليمي, وبدأت تحركات دبلوماسية واقتصادية بديلة أهمها تقوية تحالفها مع البرازيل وكولومبيا والتوسع في اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي (EU-Mexico FTA

كما هددت كندا بفرض رسوم مضادة على الصلب الأمريكي وتدرس اليابان وكوريا الجنوبية فرض قيود على الشركات الأمريكية في قطاعات حساسة مثل أشباه الموصلات وترى الصين في هذه التطورات فرصة لـ “قيادة جديدة لنظام تجاري عالمي متعدد الأقطاب.

 

رابعًا: التأثيرات قصيرة وطويلة المدى:-

 

1-داخل أمريكا فان التأثيرات قصيرة المدى تؤدى لارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي وتراجع ثقة المستثمرين في استقرار السياسات وتفاقم التضخم الذي بلغ في يونيو 2025 نسبة 4.7% وفق بيانات الاحتياطي الفيدرالي.

وتتمثل التأثرات طويل المدى على الاقتصاد الامريكى فى خروج بعض الشركات الأمريكية من السوق بسبب ضعف القدرة التنافسية وتقلص الاستثمار الأجنبي المباشر وتفكك سلاسل الإمداد والتوريد التي نشأت على مدار عقود مع أوروبا والمكسيك.

2-التأثير العالمي: انكماش التجارة العالمية بنحو 1.9% وفقًا لأحدث تقرير لمنظمة التجارة العالميةWTO والصادر في يوليو 2025 واضطراب في سلاسل الإمداد للعديد من الصناعات مثل السيارات، الطيران، الأدوية وزيادة في أسعار المواد الخام نتيجة اضطراب الشحن والتوريد، خصوصًا في المعادن والنفط.

 

خامسًا: فرص وتحولات جديدة في النظام الاقتصادي العالمى:-

 

1-صعود أقطاب تجارية بديلة:الصين والهند تعززان اتفاقيات تجارية إقليمية، مثل RCEP وBRICS+، لتشكيل تكتلات مقاومة للهيمنة الأمريكية والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا ومصر تطرح نفسها كوجهات بديلة للاستثمار بدلًا من السوق الأمريكية.

2-تزايد أهمية التحول الرقمي: مع ارتفاع الرسوم الجمركية على السلع المادية، تبرز الخدمات الرقمية والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود كملاذات آمنة والشركات الكبرى ستنقل عملياتها اللوجستية والتصنيعية إلى بيئات رقمية مرنة لتفادي القيود التقليدية.

3-مستقبل العولمة: تدخل العولمة مرحلة “انتقائية” تعتمد على تحالفات استراتيجية ضيقة بدلًا من انفتاح شامل ، والقوى المتوسطة (مثل مصر، إندونيسيا، فيتنام) تكتسب نفوذًا متزايدًا في جذب الاستثمارات الأجنبية والتحكم في سلاسل التوريد الإقليمية.

 

وفى الختام ، فإن قرار الولايات المتحدة الامريكية بفرض رسوم جمركية جديدة لا يعكس فقط سياسة اقتصادية مؤقتة، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في موقع أمريكا داخل النظام التجاري الدولي وفي حال استمرار هذا النهج، فإننا أمام احتمال تشكيل نظام اقتصادي عالمي ثنائي أو ثلاثي الأقطاب، غير أن الخطر الأكبر لا يكمن في الرسوم ذاتها، بل في فقدان الثقة العالمي في استقرار القواعد الاقتصادية، مما قد يُنتج عنه موجات من التراجع تؤثر على جميع الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء.

وفي هذا المشهد العالمى غير المستقر، تبدو الحاجة لإعادة إحياء دبلوماسية اقتصادية متعددة الأطراف، توازن بين المصالح القومية والاستقرار العالمي يتم تصميمها بمعرفة المؤسسات الدولية أو الدول الكبرى بحيث تراعى مصالح الدول النامية وحقها فى التنمية والاستقرار.

 

                  الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

      عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والاحصاء والتشريع

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة