إن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025 أعاد الجدل حول مستقبل النظام الدولي ، حيث أطلق ترامب منذ أيامه الأولى في ولايته الثانية غير المتصلة حزمة من القرارات والسياسات عكست مجددًا فلسفته القائمة على مبدأ “أمريكا أولاً”، مما أثار تساؤلات حول التداعيات المحتملة على الولايات المتحدة والعالم والحضارة الغربية.
ونحاول فى هذا المقال تحليل تلك التداعيات في المدى القصير والمتوسط والطويل، مع التركيز على مواقف الفاعلين الرئيسيين مثل روسيا، الصين، الهند، البرازيل، والدول النامية:
أولاً: تأثير سياسات ترامب على الولايات المتحدة
1-في المدى القصير أدى اتخاذ إجراءات حمائية جديدة في التجارة الدولية إلى ارتفاع التوترات مع الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والهند والصين والبرازيل مع التركيز على إعادة توطين الصناعات داخل الولايات المتحدة، مما دعم سوق العمل مؤقتًا لكنه رفع تكاليف الإنتاج ، وعاد الجدل الداخلي حول الديمقراطية بعد قرارات مثيرة للجدل بشأن الهجرة ووسائل الإعلام.
2-في المدى المتوسط احتمالية إضعاف النظام المؤسسي الأمريكي نتيجة النزاعات بين السلطة التنفيذية والقضاء والإعلام وتعزيز نفوذ التيارات الشعبوية داخل الولايات المتحدة، مما يزيد الاستقطاب السياسي ، مع تحقيق مكاسب نسبية في الصناعات العسكرية والطاقة التقليدية.
3-فى المدى الطويل : قد تقود سياسات ترامب إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة كقوة قائدة للنظام الليبرالي العالمي مع زيادة اعتماد واشنطن على قوتها العسكرية والاقتصادية بدلاً من الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
ثانياً: التأثير على الحضارة الغربية
قد تؤدى هذه السياسات الترامبية الى تهديد التماسك الغربي نتيجة الخلافات بين واشنطن وحلفائها في الناتو والاتحاد الأوروبي وإعادة تعريف “القيادة الغربية” بحيث تصبح أكثر انقسامًا بين جناح أوروبي يسعى للحفاظ على النظام الليبرالي، وجناح أمريكي يميل إلى الانعزالية وتراجع الثقة في الديمقراطية الليبرالية باعتبارها النموذج الأوحد، مقابل صعود نماذج بديلة (الصينية، الروسية، وحتى الهندية).
ثالثاً: المواقف الدولية من عودة الرئيس ترامب
1-الصين وهي المستفيد الاستراتيجي من انكفاء الولايات المتحدة وتراجع ثقة الحلفاء الغربيين بها حيث تسعى إلى تعزيز مبادرة الحزام والطريق وتوسيع تحالفاتها التجارية وعلى المدى الطويل، ترى الصين في التوتر الغربي فرصة لتكريس نظام عالمي متعدد الأقطاب.
2-روسيا تنظر إلى عودة ترامب كفرصة لتوسيع هامش المناورة أمام العقوبات الغربية كما تسعى لتعميق التعاون مع الصين في مجالات الطاقة والدفاع كما ستستفيد بالقطع من التباعد الأمريكي-الأوروبي لتقوية حضورها في الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرها .
3-توازن الهند بشكل دقيق بين التعاون مع واشنطن والاستفادة من التوتر الأمريكي-الصيني وتستهدف استقطاب الاستثمارات الغربية التي تبحث عن بديل للصين كسوق إنتاجي وتحاول فى المدى الطويل تعزيز مكانتها كقوة صاعدة وقطب ثالث في النظام الدولي.
4-البرازيل تنظر إلى سياسات ترامب كتحدٍ وفرصة في آن واحد وفى إطار عضويتها فى تجمع البريكس تسعى البرازيل لتقليل الاعتماد على الدولار، وتعزيز شراكاتها مع الصين وروسيا أما داخليًا، فتواجه البرازيل ضغوطًا اقتصادية تحد من قدرتها على الاستفادة الكاملة من التغيرات العالمية.
5-الدول النامية تسعى للاستفادة من التنافس الأمريكي-الصيني لجذب استثمارات ومساعدات وفى ذات الوقت تواجه مخاطر السياسات الحمائية الأمريكية وتقلبات الأسواق العالمية وعليه ،تبحث عن تعزيز التعاون جنوب-جنوب للحد من الاعتماد على الغرب.
رابعاً: المدى الزمني لتأثير السياسات الترامبية :
– فى المدى القصير2025-2026 سوف يتصاعد التوتر التجاري والدبلوماسي مع تعزيز الخطاب الشعبوي داخل أمريكا وخارجها قد يؤدى الى تقوية مواقع القوى الصاعدة عبر استغلال الانقسامات الغربية.
-فى المدى المتوسط 2027-2030 إعادة تشكل التحالفات العالمية، مع بروز تكتلات مثل بريكس وصعود الهند والبرازيل كلاعبين متزايدي الأهمية أما أوروبا فهى مضطرة للبحث عن استقلالية استراتيجية أكبر.
-فى المدى الطويل (2030 وما بعده) سوف يحدث تحول تدريجي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب مع استمرار الولايات المتحدة كقوة كبرى لكنها أقل قدرة على فرض قيادتها الأحادية وتعزيز أدوار روسيا، الصين، الهند، والبرازيل، مع محاولة الدول النامية توسيع هوامش المناورة للاستفادة من النظام الدولى متعدد الأقطاب.
هذا، وتظهر عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض عام 2025 بوصفها نقطة انعطاف في السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية ففي حين تعزز سياساته الشعبوية والحمائية النزعات الانقسامية داخل الغرب وتفتح المجال أمام قوى كبرى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل لتعزيز مواقعها، تبقى الولايات المتحدة محتفظة بمقومات رئيسية للريادة في إطار متعدد.
أما الدول النامية فتنظر إلى هذه التحولات كفرصة ومخاطرة في الوقت نفسه حيث يمكنها الاستفادة من التنافس الدولي لكنها مهددة بتقلبات النظام الاقتصادي العالمي.
وبناءً على ماتقدم ، قد يبدو المستقبل أقرب إلى إعادة توازن دولي تدريجي لايؤدى إلى انهيار كامل للغرب أو انكساره لصالح قوة منفردة ، بل يؤدى الى عالم متعدد الأقطاب يكون أكثر عدالة وانصاف للدول النامية مع توزيع مكاسب الثورة التكنولوجية على كافة الدول.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.