الأحد, 5 يناير, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

“كيكوس ماكسيموس” وجذب الانتباه

يسعى الاقتصاد إلى تحديث أداوته وآلياته باستمرار؛ لذلك يُعد جذب انتباه الأفراد ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من عقولهم، والاستحواذ على اهتمامهم من مهام الاقتصاد الحديث؛ لأن الأفراد في الماضي عانوا كثيرًا من ندرة الوصول للمعلومات، بينما الأمر اليوم متاحًا للجميع وفي مختلف المجالات في ظل شبكة الإنترنت.

ويُعد جذب الانتباه أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد، والمقصود به التعامل مع انتباه الأفراد كسلعة ثمينة ونادرة؛ وهو المفهوم الذي صاغه لأول مرة عام 1971 هربرت ألكسندر سيمون؛ عالم الاقتصاد الأمريكي الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، عندما كتب عن ندرة الانتباه في عالم غني بالمعلومات، وأوضح أن التدفق المفرط للمعلومات ينتج عنه بالضرورة ضعف في الانتباه؛ ما يستدعي ميل المخ إلى تحديد الأهم؛ وبالتالي التركيز على معلومة محددة.

كيف يحدث الانتباه؟

يبدأ الانتباه عندما تنتقل الحواس للفرد مثيرات معينة، سواء من بيئة داخلية أو خارجية وفقًا لوعي الفرد وشعوره بتلك المثيرات فيركز على بعضها ويهمل البعض الآخر؛ حيث تمثل المثيرات التي لا يركز عليها أهمية له وتكون في بؤرة شعوره، أما التي لا يركز عليها فقد تكون بغير ذات الأهمية في تلك اللحظة، وقد دلت نتائج الأبحاث على أنه كلما كان وعي الفرد بالشيء الذي ينتبه له محددًا وواضحًا، كان الانتباه المبني عليه أكثر تركيزًا.

وهنا نطرح تساؤل هل يوجد في الواقع سوق للانتباه؟

والإجابة تتلخص في الشكل التقليدي لنظرية الطلب والعرض في الاقتصاد؛ بمعنى وجود سلعة أو خدمة ومستهلك ومنافسة شرسة على عرض المنتجات في السوق بمعايير هذه الأيام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت؛ لوجود معلومات وفيرة عن السلع، كما أصبح المعروض من المنتجات كبيرًا، مع محدودية الوقت لدى الأفراد؛ ما يولد الحاجة إلى “الانتباه”، كمحرك رئيس لعملية الجذب والترغيب، كاستراتيجية هامة تحظى باهتمام المستهلكين، دون وعي منهم.

يُعدُ الانتباه أحد الموارد القيمة؛ إذ يستحوذ على أهمية كبيرة في عالم الاقتصاد والسياسة، وخاصةً مجال المال والأعمال والحملات الترويجية والدعايات الانتخابية والأعمال التطوعية وفي عدد كبير من المؤسسات العامة والخاصة، ولقد أدى ظهور اقتصاد جذب الانتباه (Attention Economy)، إلى الإلزام بحدوث تغيرات في علم الاقتصاد، فبدلًا من الاقتصاد القائم على وفرة السلع، يبرز الاقتصاد القائم على جذب الانتباه.

ويعتمد اقتصاد جذب الانتباه على عدة آليات؛ مثل تركيز الشركات الكبيرة على الإعلانات لجذب انتباه المستهلكين؛ من خلال تصميم مواقع إلكترونية تستحوذ بإبداعها على انتباه المستخدم والسيطرة على عقله في ظل سوق يتمتع بالمنافسة والصراع، فكلما روج المنتج لسلعته عبر جذب انتباه المزيد من المتصفحين، صار أكثر نجاحًا ورواجًا في السوق.

وبالتالي ليس هناك غرابة في أن نجد ممثلًا أو مطربًا أو لاعبًا يفعل أمرًا غير مألوف لجذب الانتباه لتعويض انحسار الأضواء عنه؛ أملًا في عودته للأضواء مرة أخرى؛ لذا يمكن القول إن ” اقتصاد جذب الانتباه ” يقوم على جذب انتباه الآخرين؛ لتحقيق مكاسب مادية، فيُقاس نجاح الفرد بحجم تأثير أفعاله أو كتاباته أو رسائله؛ لكسب المال أو الشهرة أو النفوذ أو غيرها.

أمثلة واقعية:

–    فيسبوك

يُعد تطبيق فيس بوك مثالًا حيًا لاقتصاد جذب الانتباه، فعندما يمسك الفرد هاتفه الذكي ويدخل على فيسبوك فإنه يتعرض لكمٍ هائل من الإعلانات، ولكنه بعد دقائق من ترك الهاتف جانبًا لا يتذكر شيئًا منها؛ لذا يتطلب جذب الانتباه الناجح صناعة محتوى يدفع المستخدم للتفكير في الشراء.

–    إكس

يستخدم إيلون ماسك؛ مؤسس تسلا هذا الاقتصاد بطريقة غير منضبطة؛ إذ يقوم-دون دراسة علمية- بكتابة تغريدات على منصته الشهيرة إكس (تويتر سابقًا) بهدف جني الأرباح، بغض النظر عن طبيعة المحتوى؛ لإدراكه أن استمرار الحديث عنه، ولو بشكل سيئ، سيجني منه مالًا في وقت معين.
وكمثال على ما يفعله إيلون ماسك، تخلي ملايين المستخدمين عن تطبيق واتساب منذ عدة سنوات بسبب مشكلة الخصوصية قبل أن تتلافى ذلك لاحقًا، متجهين لبرامج أخرى، فيغرد إيلون ماسك ناصحًا الجميع باستخدام تطبيق “سيجنال” كبديل؛ فتحول إليه الملايين الجميع، ويسارع البعض إلى شراء أسهم شركة “سيجنال”؛ لتحدث مفاجأة باكتشاف أنهم اشتروا أسهم شركة متخصصة في الأدوات الطبية تحمل نفس الاسم؛ إذ ليس لتطبيق سيجنال أسهم بالبورصة.

تغريدة أخرى لماسك على منصة إكس عندما كانت باسم تويتر سابقًا أعلن فيها عن ظهور منتج جديد يوم الثلاثاء 5 مايو في الثامنة مساءً؛ فترتفع أسهم تسلا بنحو 10 دولارات للسهم الواحد؛ ليبلغ السعر 200 دولار، لكن في النهاية كان مجرد تحديث في برنامج تشغيل السيارة.

ولقد قام ماسك بالأمس في أول يوم للسنة الجديدة 2025 بتغيير اسمه على منصة إكس إلى “كيكوس ماكسيموس”، دون تقديم تفسير للاسم الجديد، وقام بتغيير صورة حسابه إلى الشخصية الخيالية الشهيرة “الضفدع بيبي” وتشير التكهنات إلى أن اسم ماسك الجديد على إكس ربما المقصود به الشخصية التي جسدها الممثل راسل كرو في فيلم غلاديايتر.

وفي الوقت نفسه، أصبح الضفدع بيبي مرتبطًا على الإنترنت بالمتعصبين للبيض واليمين في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، ولكن عندما نحاول فك شفرة تصرف إيلون ماسك فإننا نجد أن التغييرات التي نفذها على حسابه في منصة إكس، دفعت عملة مشفرة تحمل نفس الاسم إلى تسجيل قفزة بنحو 900%.

استخدامات غير أخلاقية

لقد أصبح اقتصاد جذب الانتباه وسيلة لتحقيق الثراء السريع، و إيلون ماسك يعرف قواعد اللعبة جيدًا؛ ألا وهي “جذب الانتباه”؛ بجعل ملاك أسهم الشركة يتوقعون أرباحًا جديدة في الطريق، تدفعهم إلى الشراء الجنوني بمجرد رؤية تغريدة لماسك على منصة X، مما قد يلحق الأذى بالتجار والشركات الصغيرة أو تدمير شركات كبيرة، فالأمر لم يعد مقتصرًا على جذب انتباه الآخرين فقط، بل قد يصل إلى حد التلاعب بهم، وتطويعهم لاتخاذ قرار الاستثمار فنحن بصدد قضية أخلاقية في المقام الأول تتطلب إعادة النظر في “اقتصاد جذب الانتباه” من حيث الشكل والمضمون والآليات، والتحقق من مدى مشروعيته؛ إذ يمكنه تدمير حياة الأفراد أو تحويلهم إلى سلع ودمى تتحرك بمجرد نزول تغريدة على إكس؛ لذلك يجب على الأفراد التحقق مما يجذب انتباههم، فالمنافسة الشرسة في عالم اليوم، وتعدد البدائل والاختيارات نظرًا للتدفق الغزير في المعلومات، كانت السبب في ميلاد اقتصاد جذب الانتباه.

  د / إســــــلام جـــــمـال الـــديـن شــــــــــوقــي
  خـــــــبـيـر اقـــتصــــــــــادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة