تشهد مصر حالة من الترقب يعيشها المصريون، في ظل الانتظار لإعلان تشكيل الحكومة الجديدة، التي كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتشكيلها في 3 يونيو الماضي لرئيس الوزراء الحالي الدكتور مصطفى مدبولي حيث يأتي التشكيل الجديد للحكومة في توقيت بالغ للأهمية وشديد الحساسية نظرًا لما تواجهه الدولة المصرية من تحديات جسيمة داخلية وخارجية حيث تواجه مصر تحديات داخلية متعلقة بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها نتيجة الأزمات الإقليمية والدولية، والتي بالتبعية ألقت بظلالها وتأثيراتها السلبية علي اقتصاديات كثير من دول العالم ومن بينها مصر هذا من جانب.
ومن جانب آخر التحديات الخارجية المتمثلة في التهديدات التي تحيط بالأمن القومي المصري والتي جميعها تقع بالقرب من الحدود المصرية فهناك العدوان الإسرائيلي الغاشم والذي استهدف قطاع غزة من الناحية الشرقية لمصر، والأحداث والتوترات التي تشهدها ليبيا من الناحية الغربية، وكذلك الصراع المسلح الذي تشهده السودان الشقيقة من الناحية الجنوبية لمصر.
لذلك فإنه ليس هناك مبالغة عندما نقول إن الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي يقع على عاتقها الكثير والعديد من التحديات والمهام الكبيرة والتي تتطلب عملًا شاقًا وجهد غير تقليدي لتخطي هذه التحديات وإنجاز هذه المهام، ومن ثمَ فإنه يجب على الحكومة الجديدة أن تكون على قدر كبير من المسئولية والكفاءة والفعالية والسرعة في اتخاذ القرارات لتتواكب مع الفترة الرئاسية الجديدة، ومع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر.
ومن المنتظر أن تعمل الحكومة الجديدة على «مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي» مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وفي هذا السياق فإنه هناك تكهنات بعودة وزارة الاقتصاد مرة أخرى والتي باتت ضرورية وأكثر إلحاحًا من ذي قبل، ولكن يجب أن تعود وزارة الاقتصاد في هذه المرة بثوب جديد ورؤية عصرية تلبي احتياجات ومتطلبات التحديات الراهنة
وتطرح أفكار وحلول ورؤى اقتصادية غير مسبوقة في الطرح وتكون خارج الصندوق، لذلك يكون من الأفضل أن يكون الطرح الجديد هو “وزارة الاقتصاد وريادة الأعمال” لكي تناسب طبيعة المرحلة والظروف الاقتصادية المحلية والعالمية.
ومن الضروري بل ومن الهام جدًا أن تكون فلسفة الطرح الجديد لوزارة الاقتصاد تكمن في الرؤية والتوجه والأهداف والاستراتيجية التي تسعى لتحقيقها بحيث تقوم على تحقيق رؤية واضحة المعالم وأهداف استراتيجية كالتعاون والشراكة مع حاضنات الأعمال وصناديق الاستثمار وإيجاد إطار تشريعي يحكم ريادة الأعمال في مصر ويُسهل كافة مراحل التأسيس والنمو والتوسع للشركات الريادية، كما تعمل على إدخال هذه الشركات في الأسواق العربية والدولية، وتعمل على إعداد إطار تشريعي للشركات الناشئة لتشجيع ريادة الأعمال في مصر وتعزيزها بما يضمن وجود بيئة محفزة للاستثمار وبهدف تطوير بيئة عمل محفزة لنشوء الشركات الريادية الجديدة وتطويرها.
ويجب أن تلعب الوزارة الجديدة دورًا كبيرًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك أيضًا في مواجهة التحديات الجسيمة التي يواجهها العالم وتلقي بظلالها على مصر والتي من بينها فيروس كورونا المستجد والحرب الروسية الأوكرانية وتأثر سلاسل الإمداد، والحرب الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة، وكذلك الركود الاقتصادي العالمي، والتغيرات المُناخية وانعكاس كل ذلك بالتبعية على مصر، ولكي يتم تحقيق ذلك يكون من خلال الإدراك لأهمية تحقيق أهداف التنمية المستدامة عند وضع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويكون ذلك من خلال صياغة التصورات والخطط التنفيذية وإطلاق البرامج والأنشطة والمبادرات التي تدعم مسيرة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على النحو الذي يدفعها للأمام.
كما ستعمل الوزارة على دعم القطاعات الإنتاجية وتحديدًا القطاع الزراعي والصناعي، وهو ما يتطلب تكثيف العمل في القطاعين من أجل زيادة حجم الإنتاج، ويأتي ذلك من خلال حل مشكلات المستثمرين وتقديم التيسيرات والمحفزات الاستثمارية، مما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية على السواء، وتعميق التصنيع المحلي وتعزيز ودعم الصناعة الوطنية ليحل المنتج المحلي محل المنتج المستورد، ومن ثمَ تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز مصادر الدولة من العملات الأجنبية.
واستكمال تنفيذ أجندة الإصلاحات الهيكلية بمختلف القطاعات الحيوية لجذب المزيد من تدفقات الاستثمارات الخاصة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يقوده القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة؛ على نحو يسهم في تعظيم دوره في مسيرة التنمية والحرص على أهمية تأسيس الشراكات والتعاون مع الجهات ذات الصلة لإطلاق شراكة تنموية مستدامة بين القطاعين العام والخاص، وتوفير المزيد من فرص العمل لتستوعب معدلات البطالة بين الشباب وهو ما يساهم في الحد من معدلات الفقر.
ويجب أن تتمتع تلك الوزارة برؤية اقتصادية شاملة لأنها سوف تساعد في وضع السياسات الاقتصادية للدولة ككل من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ووضع مقترحات لرفع معدل النمو الاقتصادي والتنسيق مع السياسات النقدية لكي تستطيع تحقيق التوازن في الاقتصاد الكلي والمساعدة في تحقيق الاقتصاد المعرفي knowledge economy وهو قائم في العديد من الدول المختلفة، ويمكن تعريفه على أنه “اقتصاد يعتمد على سهولة الوصول للمعلومات ومدى توفرها كمًّا ونوعًا للنمو والازدهار الاقتصادي عوضًا عن استخدام وسائل الإنتاج الأخرى”، إذ يحظى هذا النوع من الاقتصاد باهتمام عالمي واسع لدوره في تحسين الممارسات الاقتصادية ويساعد على فتح مجال الابتكار والإبداع في إنتاج السلع وتقديم الخدمات.
كما ستلعب الوزارة الجديدة دور رئيسي في معالجة الآثار السلبية الناتجة عن تحرير التجارة والممارسات الخاطئة في التجارة الدولية ووضع خطط وبرامج لتنمية الصادرات لتحسين الميزان التجاري والمدفوعات، وسوف تساعد عودتها في اقتراح التشريعات ذات العلاقات بالتجارة الخارجية والجهات الأخرى، لأنها ستكون أكثر دراية وعلمًا بالاقتراحات والتشريعات التي يقرها مجلس النواب، مشيرًا إلى دورها في الرقابة على الصادرات والواردات والتي تساعد في معالجة القصور في حجم التبادل التجاري، مما يؤدي إلى تحسين الميزان التجاري.
ويجب أن تتبنى وزارة الاقتصاد وريادة الأعمال “الاقتصاد الدائري” وهو عبارة عن نموذج اقتصادي يستهدف تقليل المهدر من المواد والسلع والطاقة والاستفادة منها قدر الإمكان، بحيث يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات، وذلك عن طريق تبسيط العمليات وسلاسل الإمداد لتحقيق التنمية المستدامة، ويعتبر هذا النموذج الاقتصادي نطاق عمل شامل يرسم معالم استراتيجية الدولة لتحقيق الحوكمة المستدامة والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية من خلال تبني أساليب استهلاكية وإنتاجية تضمن تحسين جودة الحياة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وجليًا بالذكر أنه لابد من العمل الدؤوب والمستمر على تعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة وزيادة مستويات الإنتاجية وإيجاد فرص التنمية والريادة، والعمل على تعزيز سبل التعاون في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية بوصفها محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية للمساهمة في ترسيخ مكانة مصر الدولية وتقوية مشاركتها في النظام الاقتصادي العالمي، والقيام بتحسين عمليات التبادل التجاري بين مصر والدول الأخرى وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والذي يضمن تولي دور الريادة في التجارة العالمية وتوفير فرص العمل اللائق للجميع.
بقلم الدكتور/ إســلام جـمال الـديـن شـــوقي
خبير الاقتصاد ومحلل أسواق المال
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي