استضافت القاهرة المنتدى الاقتصادي المصري-الأمريكي يومي 25 و26 مايو 2025 وحضر دولة رئيس الوزراء الجلسة الاولى للمنتدى كما استقبل سيادة الرئيس السيسي وفد رجال الاعمال الامريكى في توقيت بالغ الحساسية والدلالة ليحمل بين طياته رسائل تتجاوز حدود الاقتصاد إلى عمق السياسة والاستراتيجية ، ويمثل المنتدى لحظة فارقة تعكس حجم الرهانات المشتركة على التعاون الاقتصادي كوسيلة لتعزيز النفوذ، وبناء شراكات طويلة الأجل.

أولًا: الدلالات العميقة لانعقاد المنتدى

– تبعث مصر رسالة دولية استراتيجية ان انعقاد المنتدى بهذا الحجم في القاهرة، وبحضور ممثلين عن كبريات الشركات الأمريكية يشكل رسالة موجهة لواشنطن والعالم مفادها أن مصر لا تزال شريكًا استراتيجيًا رغم الاضطرابات في اقليم الشرق الأوسط وأيضا رسالة إلى المستثمرين العالميين مفادها أن قنوات الاستثمار ما زالت مفتوحة، وأن مصر قادرة على تأمين مصالح الشركات الكبرى حتى في بيئة جيوسياسية معقدة.

-في ظل عدم كفاية التمويل متعدد الأطراف، تتجه مصر إلى تعميق الشراكات الثنائية لجذب استثمارات مباشرة، خاصة من الولايات المتحدة وتسعى مصر لاستبدال القروض باستثمارات إنتاجية تخلق وظائف وتجلب عملات صعبة.

ثانيًا: المنتدى كأداة سياسية واقتصادية

– تحاول مصر إعادة التموضع كبديل إقليمي لبعض دول جنوب شرق آسيا في بعض القطاعات وتبحث الشركات الأمريكية في ظل التصعيد الجيوسياسي مع الصين عن مراكز تصنيع وخدمات لوجستية بديلة، ومصر تحاول أن تضع نفسها ضمن هذه المعادلة باقناع الشركات الأمريكية أن مصر يمكن أن تكون محطة تصنيع وتصدير إلى إفريقيا وأوروبا خصوصًا في القطاعات كثيفة العمالة.

– إن توقيت المنتدى يعكس رغبة مصر في تنويع شركائها الاقتصاديين وعدم الاعتماد على التمويل الخليجي، لا سيما في ظل تغير المزاج الاستثماري لدول الخليج ، كما أن المنتدى يمثل ورقة ضغط غير مباشرة لتحفيز دول الخليج على تسريع ضخ استثمارات فى مصر خشية أن تسرع واشنطن أو أطراف أخرى في الاستحواذ على الفرص الاستثمارية فى مصر ، كما أبرز المنتدى أهمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كحجر زاوية في الترويج للاستثمار مصر.

هذا، وتعمل أكثر من 1800 شركة أمريكية فى مصر، بإجمالى استثمارات أمريكية تجاوزت 47 مليار دولار خلال العقدين الماضيين، وتنتشر هذه الشركات فى قطاعات متنوعة مثل: الطاقة، والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية، والرعاية الصحية، وهو ما يعكس قوة وحيوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

كما بلغ التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة عام 2024 ما قيمته 9.8 مليار دولار بزيادة 84.8% عن عام 2023 وبلغت الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة 2.247 مليار دولار في 2024، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من الولايات المتحدة 7.6 مليار دولار في نفس العام.

ثالثًا: السياق الجيوسياسي وتأثيره على توقيت عقد المنتدى

– تداعيات الحرب في غزة: توظف مصر موقفها الدبلوماسي كوسيط وكورقة تفاوض اقتصادية وتقدم نفسها كشريك جيوسياسي واقتصادي.

-العقوبات الغربية على روسيا والصين : تم توظيف المنتدى ضمن مساعٍ أمريكية أخرى لإعادة توجيه الشركات نحو أسواق أكثر استقرارًا وتعاونا مع الغرب وهنا تدخل مصر على الخط كأرض مناسبة للتعاون الاقتصادي مع الدول الغربية.

رابعًا: قرارات رئيس الوزراء المصري على هامش المنتدى

-تشكيل الوحدة الخاصة بحل مشاكل المستثمرين الأمريكيين: وهي إشارة أن الحكومة مستعدة لإعطاء معاملة مميزة لمستثمري الولايات المتحدة،

-الخريطة الرقمية الاستثمارية: تهدف إلى تخطي تعقيدات الجهاز الإداري وتقديم مشاريع جاهزة للاستثمار وربما تحتوي هذه الخريطة على مشروعات ذات طابع معين تم إخراجها من نطاق السيطرة السيادية لتكون أكثر جذبًا للمستثمرين.

خامسًا: ما الذي يعنيه المنتدى لمستقبل الاستثمار في مصر؟

-تأثير مباشر: توقيع عدد من الاتفاقيات المبدئية أو مذكرات التفاهم في قطاعات الطاقة النظيفة، والأدوية والمستلزمات الطبية والتعليم التكنولوجي.

-تأثير بعيد المدى: قد يمثل المنتدى تحولًا في أولويات مصر الاستثمارية من الاعتماد على التمويل الخليجي والاقتراض الخارجي إلى التوسع في شراكات استراتيجية مباشرة ، وتصحيح العلاقة مع واشنطن من مجرد علاقة معونات عسكرية إلى شراكة اقتصادية طويلة المدى.

وفى الختام ، يتضح أن المنتدى الاقتصادي المصري-الأمريكي ليس مجرد محطة عابرة في جدول العلاقات الثنائية، بل يمثل تجسيدًا لتحوّل نوعي في طبيعة الشراكة بين القاهرة وواشنطن من شراكة تقوم على المساعدات إلى شراكة قائمة على المصالح الاقتصادية والاستثمار الاستراتيجي طويل الأمد ، والرسالة الأهم من عقد المنتدى أن التحالفات الاستراتيجية لا تُبنى فقط في غرف السياسة، بل تُصنع على طاولات الاقتصاد والاستثمار، وأن من يدرك لغة المصالح المتبادلة هو من سيملك عوامل التأثير الاقليمى والدولى في عالم يتغيّر بوتيرة سريعة.

         الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

    عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.