فى بداية فصل الشتاء نرى معظم المهتمين بالفن المصرى القديم والسؤال السنوى هل عرف المصريين القدماء الشتاء وكيف واجهوا البرودة وماهى ملابسهم الشتوية ولماذا لا يظهر ذلك فى نقوشهم وتماثيلهم ؟!
المصريين القدماء برعوا في صناعة الملابس والاقمشة من قديم الأزل وكان اهتمامه بنفسه دايما ظاهر لينا في الموديلات المختلفة والمتنوعة الي صممها سواء من ملابس او مجوهرات او أدوات التجميل وغيرهم ، وبالنسبة للملابس فبرعوا في صناعتها من انواع مختلفة سواء كتان او غيره ولكن كان الكتان يحتل المركز الاول في صناعة الملابس المصرية ومناسب لجميع الطبقات الأجتماعية وبفضل مهارتهم فيه نماذج كتير وصلت لينا في عصرنا الحالي رغم مرور السنين الا انها احتفظت بقيمتها .
بالنسبة للمرأة المعتاد في البداية كانت ملابس طويلة محبوكة على الجسم تبرز مفاتنها وكان تحمله حمالتان فوق الأكتاف بسيط وموضة الملابس كانت وقتها بالحمالات سواء حمالة واحدة او رفيعة او سمكية وهكذا ، أما النوع الثاني بيكون ثوب واسع ذو ثنيات طويلة تلفه المرأة حول جسدها وذو فتحة صدرية علي شكل رقم سبعة،وكان بعضه بأكمام والبعض من غير أكمام والبعض بكم واحد فقط وايضا ابتكرت المرأة فن تزيين الملابس سواء برسوم او بحبات خرز ،وكان في العادة ارتداء ثوب أبيض فوق الثوب الأساسي محبوكا على الجسد من الكتان الشفاف كما تظهر الملكة نفرتاري زوجة رمسيس الثاني، في بعض المشاهد مرتدية معطفا طويلا أبيض اللون فوق ثوبها».
فالنساء في هذا فصل الشتاء كانت تكتفي بارتداء الشالات أو الجلباب المغزول من الكتان الناعم، إلى جانب غطاء الشعر المجدول المصنوع من الصوف، وهو عبارة عن “باروكة” منها المضفرة، أو الملفوفة، وذلك لتدفئة رأسهم وأذنهم، وكانت أزياء قدماء المصريين بألوانها الخلابة مزيجًا فريدًا من الجمال والراحة ومزينة بالأحجار الكريمة والخرز والريش ، وكانت تُستخدم لإبراز المكانة الاجتماعية.
أما الرجال فكان الملبس التقليدي علي مر العصور مايسمي بـ النقبة وهي عبارة عن مئزر قصير تمتد أسفل الركبة أحيانا وتثبت عند منطقة الوسط بوشاح يشبه الحزام، ومع التطور اصبحت بثنيات ، بالنسبة للعمال فقد كانت أرديتهم عبارة عن سروال يسمي « مس» ونقبة قصيرة تعرف بـ روجو ، وبالنسبة للرؤساء فيلبس نقبة طويلة او شال طويل يسمي دابو ، وبالنسبة للزي الملكي فهو يعتبر اثمن الملابس ومزينة بالتطريز سواء ملونة او مذهبة ، والكهنة كانت ملابسهم عبارة عن رداء من جلد الفهد يلفه حول جسمه،اما بالنسبة للأطفال الولاد فهم يرتدوا ازار يغطي النصف الأسفل من جسمه، وتطور هذا الإزار إلى أشكال وهو موجود في متحف النسيج ، أما البنات فكانت تتكون من القميص أو ما يُعرف بـ«التونيك» وهو عبارة عن ثوب بسيط ترتديه الفتاة، وهو ذو أكمام قصيرة، ويغطي جسده ونرى مناظر للمصريين سواء في المقابر او التماثيل وهما شبه عُراه مما جعل البعض بتسأل هل كان لا يوجد فيه شتاء وقتها ؟!
المصريين القدماء كانوا يرتدون الملابس الشتوية وكانت السيدات ترتدين عباءات شتوية بلون بني من الصوف، بينما الرجل المصري القديم كان يرتدي طبقات من الكتان لكونه يعتبر مادة طاهرة موجودة في البيئة المصرية ويفضلها المصري القديم.
أن المصري القديم كان لا يظهر بالملابس الشتوية لأسباب فنية، حيث كان يحرص على إظهار جسده بكامل تفاصيله ويتم تصويره في أبهى صورة ويظهر ذلك أكثر فى الملابس الصيفية.
وكان يظهر دون ملابس في الصور فقط ولكن في الواقع كان يرتدي الملابس الشتوية لانه يريد أن يبعث فى العالم الاخر فى أبهى صورة التى تظهرها أكثر الملابس الصيفيه الحابكة.
الدليل علي ملابس الشتاء موجود مثل القفازات ” الجوانتي” ولعل من اشهرهم قفازات الملك توت عنخ آمون والجوارب الشتويه وغيرهم من ملابس تقيلة نسبيا واقمشتها خشنة وكان بيتم أرتداء كذا قطعة للشعور بالدفء ، وهناك رسوم لنساء ترتدي شال فوق لبسها لونه بني مائل إلى الإحمرار، وأخرى بملابس بنية فاتحة مائل للاصفرار، وهذه الألوان الداكنة تناسب الشتاء، ولم يكن يرتدي طوال الموسم الكتان الشفاف الخفيف، وكمان تم العثور في مقبرة توت عنخ آمون على كثير من قطع الملابس الشتوية المصنوعة من الكتان متعددة الطبقات.
أن المصريين عرفوا الفصول الاربعة وسجلوها آلاف المرات مثلما نرى فى مقبرة مريروكا بسقارة ومنهم بالطبع الشتاء ببرودته القارسة وقد ألمحوا الى هذا الصقيع في مرات كثيرة منها ما سجله رئيس الشرطة ماحو في مقبرته بتل العمارنة بالصورة والكتابة فيظهر جالسا في مكان مفتوح في زمهرير الشتاء القارس وثمة رقية او وعاء فيه جمرات نار واضحة يصطلي بها ليتغلب على برودة الجو عندما سمع بموءامرة على الفرعون أخناتون.
اذن فالمصريون عرفوا الشتاء ببرودته ولم يكن هناك اية تغيير مناخي كما زعم بعضهم والآن يلح علينا السؤال مرة آخرى أين تصويرهم بملابسهم الشتوية؟ قاعدة بديهية فى الفن المصري القديم ومن اخص خصائصه ان الفنان المصري كان عندما يهم بالتصوير كان يسجل الانسان كما يعرفه لا كما يراه فالفرعون يصور بالنقبة فقط ولكن عندما يقتضي الحال ويشتد الصقيع كان يرتدي ثوبا ثقيلا فوق النقبة ولكن الفنان مقيد بالقاعدة السابقة فيرسم الثوب فوق النقبة ولكن outlines بخطوط خارجية فتظهر النقبة واضحة ايضا كما لو كان الثوب شفافا وهنا اكرر الفنان يرى الفرعون متدثرا بثوب ثقيل امام عينيه ولكنه لايستطيع تصويره على هذه الحالة لانه مقيد بالقاعدة السابقة وانما هو يصوره في كامل لياقته وفي نفس الوقت يصور الثوب الثقيل بالخطوط الخارجية الدالة عليه فتظهر النقبة العامل الاساسي في الشعائر الدينية من تحت الثوب والمصريون العاديون كانوا يرتدون الملابس الشتوية لاجدال في ذلك فقد كانت ملابس طويلة تتخذ شكل المعاطف التي تمتد من الرقبة حتى تصل الى القدمين وهي ظاهرة معروفة منذ بواكير العصر التاريخي وتظهر في مقبرة ببني حسن في عصر الدولة الوسطي نرى فيها امير الاقليم واثنين موظفين كبار وهم جلوس يرتدون هذه المعاطف.
وهكذا نرى انهم كانوا يتدثرون بالثياب الثقيلة ولكنهم اغفلوا تصويرها نزولا على قواعد الفن لديهم وهم لم يعجزهم ذلك ايضا فصوروها في تماثيلهم فكانوا يظهرون في تماثيل كثيرة متدثرين بثياب ثقيلة ليس لاسباب دينية او شعائرية دائما وانما هم كانوا بشرا مثلنا من حقهم ان يظهروا بمعطف غال او نفيس ويسجلون ذلك في صورة مجسمة هي التماثيل ولدينا منها الكثير الذي يثبت ذلك ولابأس عليه ان يبعث على هذه الصورة بعد ذلك وقد نأى بنفسه عن قواعد الفن الصارمة فيما يتعلق بالرسم او الحفر على الجدران.