ما حدث في الدوحة لم يكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل مشهد محسوب من مسرحية جيوسياسية تكتب بحروف دقيقة، وتوقع بأكثر من يد، إسرائيل قد تكون من ضغط على الزناد، لكن يجب أن نسأل من سلمها الذخيرة؟ ومن رسم لها حدود الحركة؟
الضربة التي استهدفت قيادات من “حماس” داخل العاصمة القطرية ليست مغامرة منفلتة، بل جزء من توزيع أدوار دقيق، حيث لا يتحرك أحد على رقعة الخليج دون أن تمر خطواته عبر واشنطن، فالمنطقة ليست ساحة فوضى، بل رقعة شطرنج، وكل نقلة فيها يحسب بالملليمتر وفقًا لتفاهمات لا تقال، لكنها تفهم.
الخليج ليس مجرد جغرافيا، بل قلب الاقتصاد العالمي، ثلث احتياطيات النفط مدفونة في رماله، ومضيق هرمز ليس مجرد ممر بحري بل زر نووي اقتصادي، إغلاقه للحظة واحدة كفيل بإشعال الأسواق من نيويورك إلى طوكيو، فالصناديق السيادية الخليجية تضخ مئات المليارات في شرايين الاقتصاد الأمريكي، من وول ستريت إلى شركات التكنولوجيا والعقارات.
ببساطة، استقرار الخليج لا يعني فقط أمن المنطقة، بل يعني أمن أمريكا نفسها، ومن هنا، فإن أي حركة عسكرية، أي رصاصة تطلق، لا تمر إلا عبر حسابات دقيقة في واشنطن.
الوجود العسكري الأمريكي في الخليج ليس ديكورًا بل شبكة دفاع متقدمة، قاعدة العديد في قطر، الأسطول الخامس في البحرين، الانتشار في السعودية والكويت والإمارات، كلها نقاط ارتكاز في مواجهة إيران، وفي حماية مصالح واشنطن الحيوية.
فهل يعقل أن تنفذ ضربة بهذا الحجم داخل قطر دون علم أو تنسيق أمريكي؟ مستحيل، لأن أمن الخليج هو أمن أمريكا، وأي خلل في المعادلة يترجم فورًا إلى ارتباك في النظام الدولي.
ما جرى في الدوحة ليس مجرد استهداف، بل رسالة، إسرائيل لا تتحرك وحدها، بل ضمن منظومة تفاهمات حيث الضوء الأخضر لا يمنح علنا، بل يفهم ضمنيًا، فاللعبة ليست قرارًا فرديًا، بل شبكة مصالح، واتفاقات خلف الستار، وتوازنات دقيقة بين الأمن والسياسة والاقتصاد.