في ليلة مليانة بالتساؤلات، شاهدنا وزارة الداخلية وهي تقوم بمداهمة عدد من صناع المحتوى على تيك توك؛ مداهم، شاكر، المتسولة علياء قمرون، أم ساجدة، أم نيلة، كلها أسماء بقت مألوفة لجيل كامل، مش علشان القيمة اللي بيقدموها، لكن لأنهم نجحوا في فرض نفسهم على ذوق عام بيتأرجح ما بين الفضول والرفض.
ربما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والضغوط اللي بقت خانقة على أغلب الناس، طبيعي إن البعض يدور على أي وسيلة للكسب تخلي معاه قرشين، وصناعة المحتوى بقت منفذ سهل وسريع، أحيانًا من الموبايل في البيت، من غير تكاليف ولا شروط، وكل اللي مطلوب إنك “تجيب مشاهدات”.
محدش ضد حرية التعبير، ولا ضد إن الناس تلاقي وسيلة تكسب منها فلوس، لكن لما الحرية تتحول لفوضى، ولما السعي للمكسب ييجي على حساب القيم والأخلاق، ولما البث المباشر يبقى ساحة للإيحاءات بدل المحتوى، لازم حد يوقف ويقول: “كفاية”.
مش كل محتوى اسمه فن، ومش كل لايك اسمه نجاح، ومش كل ترند يستحق إننا نجري وراه، وهذا ما يسمى بـ”اقتصاد التفاهة” عندم يمتزج الربح مع الرداءة، محتوى لا يحمل أي قيمة حقيقية لكنه يحظى بمتابعة ضخمة وأرباح خيالية.
هنا يجب أن نسأل كيف تحول المحتوى الرديء إلى سلعة مربحة تسوّق وتستهلك بنهم؟ لماذا نمارس هذا التناقض الغريب: ننتقده، نرفضه، ثم نعود لنستهلكه؟ هذه الليلة لا تفضح التيكتوكرز فقط، بل تعري ذوقًا عامًا هشًا، واقتصادًا يكافئ التفاهة ويعاقب الجودة.
نحن أمام ظاهرة اجتماعية واقتصادية تستحق التفكير والتحليل، حتى نخرج من نفق الاندهاش السطحي إلى رؤية أعمق عن دوافع الرواج، ومآلاته، وما نقبله عن أنفسنا كمجتمع.
المسألة مش بس أخلاقية، دي كمان اقتصادية، منصات زي تيك توك بقت مصدر دخل، لكن بشكل غير منضبط. ملايين بتيجي من الخارج وبتدخل جيوب ناس مش معروف مصدر نشاطهم الحقيقي، تجارة الهدايا الرقمية، أنشطة غسيل الأموال، التلاعب بالجمهور، كل ده بيحصل تحت ستار “المحتوى”.