الأربعاء, 9 يوليو, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن يكتب: حريق سنترال رمسيس لم يحرق الأسلاك فقط.. بل عرى هشاشة الدولة وأحرق هيبة الحكومة بأكملها

الصحفي محمد عبدالرحمن

كنت من المختلفين مع مقولة إن “دولة كبيرة وعريقة زي مصر ممكن يتم إسقاطها بـ200 جنيه وشريط ترامادول ونزول آلاف من الخارجين عن القانون والمغيبين لتدمير النظام أو الوقوف في وجه الدولة”، وكنت أرى هذا الطرح فيه تبسيط مخل واستهانة بتاريخ طويل، ومؤسسات راسخة.

 

لكن بعد ما حدث في سنترال رمسيس، بدأت أتساءل بجدية: كيف يمكن لدولة بحجم وتاريخ مصر أن تتوقف فيها أغلب الخدمات، لا أتحدث فقط عن الإنترنت، بل الاتصالات، والدفع الإلكتروني، والبنوك، وارتباك حركة الطيران المدني، وتوقف خدمات النقل الخاص وتطبيقات الخرائط؟ كل هذا نتيجة حريق واحد.. في مبنى واحد.

 

وتذكرت أنه قبل عامين فقط، تعرض نفس هذا السنترال لانقطاع مفاجئ في أحدى الكابلات، نتيجة أعمال حفر وهو ما أدى لتوقف خدمات الاتصالات والإنترنت لساعات.

لكن لماذا مر هذا المشهد مرور الكرام على المسؤولين؟ ألم يطرح أحدهم السؤال البديهي: كيف نترك دولة كاملة تعتمد على نقطة واحدة بهذا الشكل؟ أين الخطة البديلة؟ أين التوزيع الجغرافي؟
هل يعقل أن كل هذا مر دون أن يقرر أحد أن يكون هناك سيناريو طوارئ يضمن استمرار الخدمات في حال حدوث خلل أو كارثة في مكان واحد فقط؟

لو كان هناك من فكر فعلًا، لما رأينا الحريق يتحول إلى شلل كامل في البنية الرقمية، لما انقطعت الاتصالات، ولا توقفت البنوك، ولا علقت البورصة جلستها، ولا ارتبكت المطارات، ولا تعطل المواطن عن حياته.

واليوم، عاد السيناريو ذاته، ولكن على نطاق أوسع، وأكثر فوضوية، وأكثر رعبًا.

 

وفي لحظة صمت ثقيل، تحدث إلي شيطان العقل:

“ألا ترى أن خطة إحراج الدولة ليست بحاجة لا لـ200 جنيه، ولا شريط ترامادول؟ فقط أشعل حريق في مبنى حساس، وستسقط ثقة المواطن في مؤسساته، ثقة المستثمر في الدولة.”

هل يعقل أن تكون هذه هي هشاشتنا؟ أن نضع كل مفاصل الدولة الحديثة في سنترال واحد؟ أن يعتمد أمننا القومي على مبنى؟

ما حدث ليس مجرد حادث عرضي، ما حدث فضح أننا لا نملك “خطة ب”، ولا نمتلك تصوّرًا حقيقيًا لبنية رقمية resilient يمكنها الصمود في وجه الحوادث والكوارث.

لم يكن حريق سنترال رمسيس مجرد حادث عرضي في أحد المباني الإدارية، بل كان اختبارًا صادمًا وجريئًا لمدى صلابة ما يسمى “التحول الرقمي” في مصر.

فهل يعقل أن تعتمد دولة بحجم مصر، في عام 2025، على نقطة واحدة لتغذية شبكاتها الرقمية؟ وهل ننتظر الكارثة التالية كي نفكر في خطط بديلة؟

في الدول التي أخذت التحول الرقمي على محمل الجد، لا توجد “نقطة سقوط واحدة”.

الولايات المتحدة، مثلًا، تمتلك مراكز بيانات موزعة جغرافيًا، ومؤمنة ضد الحرائق، والزلازل، والهجمات السيبرانية، مع نسخ احتياطية لحظية.

وإستونيا، الدولة الصغيرة التي تعد من رواد الرقمنة، تدير كل خدماتها الحكومية عبر بنية لامركزية، مدعومة باتفاقات دولية لاستضافة بياناتها في الخارج إذا لزم الأمر.

أما نحن، فما زلنا نضع كل البيض في سلة واحدة، هل نحن دولة مؤسسات رقمية، أم “دولة مدام عفاف”؟

سؤال جوهري لا بد أن يُطرح الآن، وبصوت عال: هل نعيش في دولة مؤسسات رقمية بالفعل؟، أم أننا ما زلنا نعتمد على المنطق الفردي والارتجال، والمجاملات والولاءات، لا على التخطيط والاستباق والاحترافية؟

تواصلت مع أحد خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فشرح لي الأمر بوضوح قائلًا: “ما حدث هو نتيجة طبيعية لمنظومة بنيت بعقلية قديمة، تفترض أن التكنولوجيا مجرد أدوات، وليست منظومة سيادية تستدعي التخطيط الاستراتيجي.”

وشدد على ضرورة نقل خدمات الإنترنت الحيوية إلى مراكز مؤمنة بالعاصمة الإدارية وهو ما يجب أن يتحقق فعليًا، لا أن يبقى حبرًا على ورق أو مجرد اقتراح.

التحول الرقمي في مصر وتأمين خدمات الأنترنت لا يجب أن يبقى حملة دعائية أو واجهة براقة لمواقع حكومية، إذا لم نستفد من كارثة سنترال رمسيس، ونعيد رسم شكل البنية التحتية الرقمية، فنحن لا ندير مستقبلًا، بل نسير بعين مغمضة نحو تكرار الكارثة.

 

إن الأمن القومي اليوم لا يقاس بعدد الدبابات والطائرات فقط، بل بمرونة الشبكات، واستقلالية البنية الرقمية، وقدرتنا على التعافي السريع من أي طارئ.

 

لا ينبغي أن نكون دولة تنهار رقميًا بسبب تماس كهربائي في مبنى قديم.

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة