الجمعة, 30 مايو, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن يكتب: لا تكرهوا الأغنياء.. فقط راقبوا كيف تسرق أحلام البسطاء

محمد عبدالرحمن يكتب: مليارات الخليج التي أهداها العرب لترامب.. ماذا لو كانت للعرب؟

لا تكرهوا الأغنياء لأنهم أغنياء، بل لأن بعضهم لا يرون في هذا الوطن إلا سوقًا مفتوحًا، لا تكرهوهم، فقط طالبوهم بأن يظهروا قوائم أرباحهم، ويدفعوا ضرائبهم، ويكفوا عن استفزاز الفقراء بإعلانات تنتمي لعالم آخر، لا تكرهوهم.. فقط احلموا بيقظة، بأن لا تبقى مصر بلدًا تقسم فيه الأحلام طبقيًا، وتوزع فيه الثروات جينيًا.

 

في هذا الوطن، باتت الفوارق الطبقية لا تحتاج إلى دراسة أو إحصائية، يكفيك أن تفتح تطبيق “فيسبوك” أو أن تشاهد إعلانًا بين مسلسلين، لتدرك أن مصر تحولت إلى صورتين متناقضتين تعيشان على الشاشة نفسها، وعلى الأرض نفسها، نحن لسنا ضد الأغنياء، لكننا نرفض أن تختزل أحلام الفقراء في أرقام لا يملكون حتى حق نطقها.

 

في بلدٍ يضم أكثر من 15,600 مليونير، و7 مليارديرات، بحسب تقرير الثروة العالمي، يتبقى سؤال مؤلم: ماذا جنت الأغلبية من هذا الثراء؟ هل انعكس على خدمات عامة؟ على ضرائب منضبطة؟ على توزيع أفضل للفرص؟ الإجابة تجدها في طوابير العلاج، ونسب البطالة، والملايين الذين لا يجدون سكنًا آدميًا.

 

يشير الاقتصاديون إلى ما يعرف بـ “اقتصاد الواجهة”، حيث تظهر مؤشرات الرفاهية الفائقة عبر أبراج سكنية عملاقة ومجمعات سياحية ساحلية، بينما يخفي “الاقتصاد الموازي” واقعًا آخر: نصف السيولة النقدية في مصر تقريبًا خارج الجهاز المصرفي، الاقتصاد غير الرسمي يشكل ما يقارب 40-60% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لتقارير حكومية ودولية، ووسط هذا التضخم غير المتكافئ، تذوب الطبقة الوسطى، الفقراء ازدادوا فقرًا، والأغنياء ازدادوا استعراضًا.

 

وفقًا لنظرية الاقتصادي الأمريكي ثورستين فبلن في “طبقة الترف” (The Leisure Class)، فإن الاستهلاك الاستعراضي للأثرياء لا يعكس تطورًا اقتصاديًا بقدر ما يعبر عن غياب العدالة الاجتماعية، حيث يتم إنفاق الثروات على مظاهر لا تفيد المجتمع، بل تثير احتقانه، هذا ما يحدث حين تستورد جبن فاخر بـ1.2 مليار دولار، ومستحضرات تجميل وعطور بقيمة تقترب من مليار دولار، في بلدٍ يستورد فيه المواطن “حلمه بالكرامة” بالدين الخارجي.

 

رجال أعمال وشركات عقارية يستعرضون منتجاتهم الفندقية والفيلات، بلغةٍ لا يعرفها سوى النخبة، إعلانات تقول: “استثمر في فيلا بـ50 مليونًا”، بينما هناك آلاف العائلات تعيش في غرفتين بالإيجار في أحياء شعبية لا يصلها الصرف الصحي. كل فيلا تعرض على الشاشات، تطفئ حلمًا صغيرًا لدى طفل كان يظن أن له نصيبًا في هذا الوطن.

 

العدالة الضريبية هي صمام الأمان لأي مجتمع، في الدول الرأسمالية الكبرى، الأغنياء لا يهربون من الضرائب، بل يدفعونها مضطرين، تحت رقابة صارمة. أما في مصر، فقوائم الأرباح ودفاتر الضرائب للأثرياء أشبه بالأساطير: ترى ولا تلمس، لماذا لا نرى قانونًا يلزم كل شركة بنشر تقارير شفافة عن الأرباح والمساهمات الضريبية؟ لماذا لا نطالب الأغنياء بدور أكبر في تمويل التعليم، والصحة، وتحديث العشوائيات؟

وأخيرًا أتذكر دائمًا أن كرة القدم كانت لعبة الفقراء، برعوا فيها وأبدعوا، وكانت منبرًا للشعبية والموهبة، لكنها اليوم لم تعد كذلك.

أول من يتحكم فيها الآن أصحاب رؤوس الأموال، حتي انهارت اللعبة الأكثرة شعبية في مصر وأصبحت فارغة من آي موهبة حقيقية، بل على العكس أصبحت ملاعب الكرة تمتلئ بالواسطة، وبأنصاف الموهوبين من أبناء علية القوم، واختفت أحلام البسطاء عند بوابة اختبار في نادٍ كبير، لم يعد هناك مكان للموهبة، بل للمحسوبية، حتى صرنا نعرف أسماء اللاعبين الجدد من شجرة العائلة، لا من لقطات المراوغة أو أهداف الحسم.

أيها السادة انا لا اتكلم عن رياضة معينة أو مجال بالتحديد، ولكن كم من إنسان يستحق مكانًا تحت الضوء، لكنه يقصى لأن المكان محجوز مسبقًا، محجوز لابن فلان، أو ابنة فلانة، وهكذا أصبحت كل ميدان في هذا البلد، مسابقة مغلقة لا تعلن شروطها، فقط تورث، فإذًا، أين نذهب نحن؟ هل نصفق على هذا الإحباط؟ أم نثور على واقع بات مزريًا؟

التاريخ مليء بالأمثلة: كل مجتمع تجاهل الفجوة الطبقية انتهى إما بثورة، أو بعزلة الأغنياء داخل أسوارهم الحديدية، الحرمان ليس فقط من المال، بل من الأمل، وحين يحرم الناس من الأمل، لا يبقى أمامهم سوى الغضب.

لا تكرهوا الأغنياء.. فقط طالبوهم أن يكونوا شركاء في الوطن، لا سادة فوقه، لا تكرهوهم، فقط ذكروهم أن الثروة مسؤولية، وليست جائزة يرفعونها في وجوه المعدمين، لا تكرهوهم، فقط احلموا بعدالة لا يسرق فيها الحلم من فم طفل، ليعلق في إعلان على طريق الساحل.

 

الكاتب الصحفي محمد عبدالرحمن يكتب سلسلة مقالات على موقع “إنفينيتي الاقتصادية” بعنوان “ما بين الواقع والمأمول”، يتناول خلالها الأحداث العامة والاقتصادية بشكل شامل وتحليلي.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة