الجمعة, 18 يوليو, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن يكتب: من يدير لعبة اليأس ضد المصريين؟.. الاقتصاد بين الأرقام والانطباعات

محمد عبدالرحمن يكتب: هل يصنع اليأس عمدًا؟ الاقتصاد بين الأرقام والانطباعات

توقفت أمس أمام كلمة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي خلال المؤتمر الأسبوعي لمجلس الوزراء، والتي أشار فيها إلى محاولات تضخيم الأزمات والتشكيك في الجهود الحكومية بهدف نشر حالة من الإحباط واليأس بين المواطنين.

حديث رئيس الوزراء لم يأت من فراغ، ولا أظنه مجرد تعليق عابر أو مبرر لحالة الإحباط وعدم اليقين التي بدأت تتسلل إلى نفوس بعض المصريين.
تلك الحالة – سواء كانت واقعية أو مفتعلة – لا يمكن فصلها عما يجري في المنطقة من تحولات أصبحت أكثر وضوحًا، واضطرابات عسكرية متلاحقة، تهدف إلى فرض واقع جديد في الشرق الأوسط، وتقسيمات جديدة لدولنا العربية باتت ملامحها مكشوفة للجميع، حيث باتت الأزمات تدار، وتضخم.

دول كانت تمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر، مثل السودان وسوريا وليبيا، تحولت إلى ساحات صراع تدفع الشعوب ثمنه، بينما تحركه أطراف ذات مصالح متشابكة، وفي خضم هذا الضجيج، تتعرض مصر لمحاولات ممنهجة لجرها نحو نفس المصير.

 

أساليب التشكيك وتضخيم السلبيات لم تعد مجرد أدوات إعلامية، بل تحولت إلى منظومات تحاك داخل غرف مغلقة بهدف ضرب الثقة بين المواطن ودولته، وإشاعة الإحباط واليأس كشكل من أشكال الهدم الهادئ.

 

لا يخفى على أحد أن أكثر ما يشغل المصريين حاليًا هو الوضع الاقتصادي، بدءًا من غلاء الأسعار وصولًا إلى حالة الضبابية التي تصدر للمصريين بقصد أو بدون قصد.

أصبحنا نقرأ يوميًا مئات، وربما آلاف الأخبار التي تتحدث عن حجم الديون، أو القروض التي تحصل عليها الحكومة، أو تقارير صادرة عن مؤسسات دولية تصف الاقتصاد المصري بصورة سلبية، ولعل اللافت أن جزءًا كبيرًا من هذه الأخبار مصدره مواقع أجنبية غير مصرية، وهنا يجب أن نتوقف ونسأل:

هل الصورة التي تصدر إلى المصريين حقيقية فعلًا؟ وهل النظرة المتشائمة للاقتصاد المصري تعكس الواقع كما هو؟ سؤال آخر، هل الاقتصاد المصري منفصل عن الاقتصاد العالمي؟ بمعنى آخر، هل ما يوصف بأنه وضع صعب أو أزمة اقتصادية هو حالة خاصة بمصر وحدها، أم أن كافة دول العالم تعاني من ظروف مشابهة؟

 

سؤال آخر لا يقل أهمية: المواقع الاقتصادية الأجنبية التي تركز على الاقتصاد المصري تحديدًا، هل تتناول بنفس القدر حجم الديون في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو دول الاتحاد الأوروبي؟ وهل نراها تتحدث عن ديون الدول العربية النفطية كالسعودية أو الكويت؟

وهنا نعود إلى جوهر فكرة هذا المقال وهو أن “الاقتصاد لا يدار بالانطباعات، بل بالأرقام والرؤى.” تلك المقولة القديمة، توضح أن التركيز المستمر على السلبيات يطمس الإنجازات، ويمنع أي قراءة موضوعية لمسار الدولة الاقتصادي.

 

وفي علم الاقتصاد، هناك ما يُعرف بـ “الاقتصاد السلوكي” الذي يركز على كيف تؤثر العوامل النفسية – كاليأس والخوف والتشكيك – في قرارات الاستثمار والاستهلاك، فحين يشعر المواطن أن المستقبل الاقتصادي للدولة التي يعيش فيها ضبابي، تتراجع ثقته في إداء الحكومة، وربما مؤسسات الدولة، تمامًا كما أراد صانعو التشكيك.

 

والآن أصبح من السهل علينا قراءة المشهد بأن هناك أطرافًا سواء كانت إقليمية أو دولية، تسعى لتوسيع رقعة الفوضى في منطقتنا، فمصر، بثقلها السكاني، وموقعها الجيوسياسي، وتاريخها، تمثل هدفًا لمن يريد إعادة تشكيل المنطقة وفق تصورات جديدة.

 

وهنا تأتي أهمية تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، لكن من الضروري أن تكون هذه التصريحات أكثر صراحة ومكاشفة، فالمرحلة الحالية تستوجب وضوحًا كاملًا في عرض الحقائق وشرح التحديات بأدق تفاصيلها. فالمكاشفة تبني الثقة وتغلق الأبواب أمام الشائعات ومحاولات التضليل، خصوصًا في ظل الأوضاع الإقليمية المعقدة التي تتشابك فيها المصالح والسياسات، وتجعل ما يحدث في مصر جزءًا من معادلة أكبر.

وفي الختام، ربما أصبح من السائد اليوم أن كذبة واحدة تحتاج إلى مئات التحليلات والتوضيحات لتفنيدها، وفي زمن السوشيال ميديا، لم يعد ممكنًا حصر الإشاعات أو الرد على كل الأخبار التي تهدف إلى نشر التشاؤم، لكن السؤال الأهم: لماذا لا نستخدم نفس السلاح الموجه ضدنا؟ لماذا لا يتحول الإعلام نفسه إلى أداة هجومية ذكية بدلاً من الاكتفاء بردود الفعل الدفاعية؟

 

فالإعلام اليوم لم يعد مجرد ناقل للخبر، بل سلاح استراتيجي قادر على تشكيل وعي الناس وبناء الثقة إذا استخدم بذكاء.

المطلوب خطاب إعلامي جديد، بسيط وقريب من المواطن، يكشف الحقائق ويعرض الإنجازات بلغة يفهمها الشارع، بعيدًا عن الشعارات الجاهزة التي فقدت تأثيرها، فالإعلام القوي هو الذي يصنع الحقائق، لا الذي يلهث وراء نفي الشائعات.

الكاتب محمد عبدالرحمن يكتب سلسلة مقالات على موقع “إنفينيتي الاقتصادية” بعنوان “ما بين الواقع والمأمول”، يتناول خلالها الأحداث العامة والاقتصادية بشكل شامل وتحليلي.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة