الخميس, 24 يوليو, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

مصر ونافذة الفرص: من ممر تجاري عالمي إلى قلب الصناعة الإقليمية

إن اللحظة التي تتصارع فيها القوى الاقتصادية العالمية على إعادة ترسيم خرائط الإنتاج والتصنيع، تقف مصر على أعتاب فرصة تاريخية لا تتكرر كثيراً في عمر الأمم. فبعد عقود من الاعتماد شبه الكامل على النموذج الصيني في التصنيع، بدأت الشركات العملاقة تبحث عن بدائل استراتيجية تحميها من تقلبات الجيوسياسية وتضمن لها استمرارية الإنتاج.

 

ولقد كانت جائحة كورونا العالمية كانت بمثابة ناقوس الخطر الأول، تلتها الحرب الروسية الأوكرانية لتعمق الأزمة، وأخيراً جاءت التوترات التجارية بين واشنطن وبكين لتضع النقاط على الحروف: العالم بحاجة لإعادة توزيع مراكز الثقل الصناعي.

 

مصر على خريطة الفرص الذهبية

 

تبرز مصر وسط هذا المشهد المتحرك، كواحدة من أكثر الوجهات جاذبية للاستثمار الصناعي العالمي. فالموقع الجغرافي الذي وضعها الله على ملتقى ثلاث قارات ليس مجرد نعمة طبيعية، بل ميزة تنافسية حقيقية في عصر تكلفة الشحن والوقت.

 

تمرر قناة السويس وحدها 12% من التجارة العالمية، وهذا يعني أن أي مصنع يقام على الأراضي المصرية يقع عملياً في قلب أكبر طريق تجاري في العالم. أضف إلى ذلك شبكة الاتفاقيات التجارية التي تفتح أبواب الأسواق الأوروبية والعربية والأفريقية دون قيود جمركية معقدة.

 

لكن الجغرافيا، رغم أهميتها الاستثنائية، لم تعد وحدها كافية في زمن المنافسة الشرسة. الدول اليوم تحتاج إلى أكثر من موقع متميز، تحتاج إلى منظومة متكاملة من البنية التحتية والكوادر البشرية والسياسات الداعمة.

 

الاستثمار في المستقبل

 

ولم تقف مصر مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي فالاستثمارات الضخمة التي ضخت في البنية التحتية خلال السنوات الماضية بدأت تؤتي ثمارها: شبكة طرق حديثة تربط أطراف البلاد، موانئ جديدة قادرة على استيعاب أكبر السفن التجارية، مناطق صناعية مجهزة بأحدث المعايير العالمية، ومراكز لوجستية متطورة.

 

كما شهدت منظومة التشريعات والحوكمة الرقمية تطويراً ملحوظاً، مما يعكس فهماً عميقاً لمتطلبات الاستثمار الحديث. لكن التحدي الحقيقي يكمن في التفاصيل: جودة سلاسل القيمة المحلية ومدى قدرتها على التكامل مع الصناعات المستهدفة.

 

وهنا تبرز التحديات الجوهرية: الفجوة بين مخرجات التعليم الفني ومتطلبات السوق الصناعي، وضعف الربط بين القطاعات المختلفة، والبيروقراطية التي ما زالت تلقي بظلالها على بيئة الاستثمار.

 

دروس من نجاحات عالمية

 

وتقدم قصص النجاح العالمية دروسًا ثمينة لمن يريد أن يتعلم. فيتنام، التي لم تكن قبل عقدين في حسابات المستثمرين الكبار، تحولت اليوم إلى عملاق تصديري بقيمة تزيد عن 400 مليار دولار سنويًا. السر في نجاحها لم يكن الموقع الجغرافي فحسب، بل الاستقرار السياسي والحوافز الاستثمارية المدروسة والعمالة الماهرة.

 

ويستحق التأمل نموذج آخر هو المكسيك، حيث استطاعت أن تصبح ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، مستفيدة من سياسة “التقريب الصناعي” التي تبنتها الشركات الأمريكية. الطلب على المواقع الصناعية المكسيكية وصل لدرجة أن معدل الفراغ انخفض إلى 1% فقط، وارتفعت الإيجارات الصناعية بنسبة تزيد عن 16%.

أما بولندا فحكايتها مع الاتحاد الأوروبي تؤكد أن الاندماج الاقتصادي الذكي يمكن أن يحول دولة من الهامش إلى المركز. تضاعفت صادراتها الصناعية وأصبحت حلقة وصل أساسية في سلسلة الإنتاج الأوروبية، خاصة مع ألمانيا.

 

الطريق إلى التحول الكبير

 

ولكي تتحول مصر من مجرد نقطة عبور إلى مركز إنتاج حقيقي، فهي بحاجة إلى استراتيجية شاملة تقوم على عدة محاور أساسية:

 

  • تحديد القطاعات ذات الأولوية القصوى. الإلكترونيات ومكونات السيارات والأدوية والصناعات الدقيقة تمثل فرصاً ذهبية، لكنها تتطلب تخصصاً وإعداداً دقيقاً.

 

  • ثورة حقيقية في منظومة التعليم الفني والتقني. العالم اليوم لا يبحث عن عمالة رخيصة فحسب، بل عن كوادر ماهرة قادرة على التعامل مع تقنيات الإنتاج المتقدمة. هذا يتطلب شراكات استراتيجية مع الشركات العالمية لتطوير برامج تدريبية متخصصة.

 

  • منظومة حوافز واضحة ومستقرة. المستثمر العالمي يبحث عن ضمانات طويلة المدى، وقوانين لا تتغير مع تغير الحكومات أو الظروف السياسية.

 

  • دعم سلاسل القيمة المحلية من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الاندماج في حلقات الإنتاج الكبرى. الهدف هو خلق منظومة صناعية متكاملة تقلل الاعتماد على الاستيراد وتزيد القيمة المضافة المحلية.

 

  • التفكير العالمي منذ البداية. السوق المحلي لا يمكن أن يكون سقف الطموح، بل يجب أن تكون الأسواق الإقليمية والعالمية هي الهدف الأساسي.

 

نافذة الفرص لن تبقى مفتوحة إلى الأبد

 

يعيد العالم ترتيب أوراقه الصناعية الآن، والفرصة متاحة أمام مصر لتصبح قلب الإنتاج الذي يخدم ثلاث قارات. الطاقات الشابة، والموقع الاستراتيجي، والبنية التحتية المتطورة، كلها عوامل تصب في صالح هذا التحول.

 

ولكن التوقيت عنصر حاسم في هذه المعادلة. الدول التي تتحرك اليوم بحكمة وسرعة هي التي ستحصد ثمار هذا التحول لعقود مقبلة. أما التردد أو الانتظار فقد يعني ترك الفرصة تمر إلى منافسين آخرين لن يتوانوا عن اغتنامها، والمطلوب اليوم ليس الإعجاب بالفرصة من بعيد، بل تحويلها إلى خطة عمل محددة قابلة للتنفيذ والقياس والمتابعة. فالأحلام الكبيرة تحتاج إلى خطوات عملية صغيرة لتتحول إلى واقع ملموس.

 

إن مصر اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة، إما أن تقتنص الفرصة وتصبح مركزاً صناعياً إقليمياً مؤثراً، أو تكتفي بدور الممر.

 

           رضــــــــا شـعبـــــان

    خبير الاقتصاد وأسواق المال

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

 

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة