يُعدُ الإعلام الاقتصادي حجر الزاوية في بناء وتطوير الأسواق المالية وتعزيز ثقافة الاستثمار في المجتمع فهو لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات الاقتصادية فحسب، بل تحول أيضًا إلى أداة استراتيجية في تطوير الأسواق المالية وتعزيز الثقافة الاستثمارية وتحفيز النمو الاقتصادي حيث يمكن من خلال تبسيط المفاهيم الاقتصادية المعقدة وتقديمها بشكل مبسط إلى أن تساهم في تمكين الأفراد من فهم آليات عمل الأسواق المالية وكيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة.
ويلعب الإعلام الاقتصادي دوران مهمان فالدور الأول جوهري يبرز في تعميق فهم الجمهور للمفاهيم والمتغيرات الاقتصادية المعقدة فمن خلال التحليل والتفسير الدقيق للظواهر الاقتصادية يساعد في بناء قاعدة معرفية متينة لدى المستثمرين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، ويمتد هذا الدور التثقيفي ليشمل شرح آليات عمل الأسواق المالية، وتوضيح العلاقات المتشابكة بين مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحليل تأثير السياسات الاقتصادية على الأداء المالي للشركات والمؤسسات.
أما الدور الثاني فهو دورًا محوريًا يتمثل في دعم جهود التنمية الاقتصادية الشاملة فمن خلال تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات، وتوضيح مزايا الاستثمار في الأسواق المالية، ويساهم في توجيه المدخرات نحو القنوات الاستثمارية التي تعود بالأرباح على الأفراد، كما يقوم بدور مهم في التوعية بأهمية الادخار والاستثمار في الأجل الطويل، وتشجيع المشاركة الفعالة في الأسواق المالية.
وعند النظر إلى مدى تعقيد الأدوات المالية وتنوع المنتجات الاستثمارية فإن الإعلام الاقتصادي يواجه تحديًا كبيرًا في تبسيط هذه المفاهيم وتقديمها إلى الجمهور بشكل مفهوم، وهذا يتطلب كوادر إعلامية متخصصة تجمع بين المعرفة الاقتصادية العميقة والقدرة على التواصل الفعال مع مختلف شرائح المجتمع فعلى سبيل المثال نجد أن الإعلامي الاقتصادي يجب أن يكون قادرًا على تحليل البيانات المالية المعقدة وترجمتها إلى معلومات مفيدة وقابلة للفهم من قبل الأفراد أو المستثمرين العاديين.
وتجدر الإشارة إلى أن الثورة الرقمية تُمثل تحديًا من جانب وفرصة من جانب آخر للإعلام الاقتصادي حيث تفرض التكنولوجيا الحديثة ضرورة تطوير أساليب جديدة في تقديم المحتوى الاقتصادي، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية في الوصول إلى الأفراد، وعلى صعيد آخر توفر هذه التكنولوجيا فرصًا غير مسبوقة للتفاعل المباشر مع المستثمرين وتقديم خدمات معلوماتية متطورة تلبي احتياجاتهم المتنوعة.
وتُمثِل الشراكة الاستراتيجية بين المؤسسات المالية والإعلامية محورًا رئيسيًا في تعزيز فعالية الرسالة الإعلامية الاقتصادية فهذه الشراكة لا تقتصر على مجرد تبادل المعلومات، بل تمتد لتؤسس منظومة متكاملة تجمع بين الخبرة المالية والمهارة الإعلامية، وتتجلى أهمية هذا التكامل في تنظيم الفعاليات المشتركة، وإطلاق المبادرات التثقيفية، وتصميم البرامج التدريبية المتخصصة التي تصقل مهارات الإعلاميين الاقتصاديين وتعمق من فهمهم للمشهد المالي المتغير في ظل التغيرات العالمية.
كما يجب أن يولي الإعلام الاقتصادي اهتمامًا خاصًا بالتوعية المالية للشباب والفئات الجديدة في سوق الاستثمار فالتحول الملحوظ في اهتمامات الشباب نحو الاستثمار والأسواق المالية يستدعي تطوير محتوى عصري يتناغم مع تطلعاتهم ويحاكي لغتهم، ويتطلب ذلك تبني أساليب مبتكرة في عرض المعلومات المالية مع التركيز على التجارب العملية والقصص الملهمة التي تجسر الفجوة بين النظرية والتطبيق، وهذا يتطلب استخدام لغة بسيطة وأساليب عرض جذابة، مع التركيز على التطبيقات العملية والأمثلة الواقعية.
والجدير بالذكر أن الإعلام الاقتصادي يقدم خدمة قيمة للمستثمرين في مجال التحليل المالي من خلال توفير التحليلات المتعمقة لأداء الشركات والقطاعات الاقتصادية، وتساعد هذه التحليلات المستثمرين في فهم اتجاهات السوق وتقييم الفرص الاستثمارية المتاحة، كما تساهم في تعزيز الثقافة التحليلية لدى المستثمرين وتطوير قدراتهم على تقييم المخاطر واتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة، فالإعلام الاقتصادي من الهام جدًا أن يتميز الإعلام بالموضوعية والحيادية في تغطية الأحداث والتطورات الاقتصادية.
وتُعدُ المصداقية عنصرًا أساسيًا في بناء الثقة مع الجمهور وتعزيز دور الإعلام الاقتصادي كمصدر موثوق للمعلومات، وهذا يتطلب الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية في العمل الإعلامي، والحرص على التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، ويمكن القول إن تطوير الإعلام الاقتصادي وتعزيز دوره في تطوير الأسواق المالية يتطلب جهدًا مستمرًا ورؤية شاملة.
وختامًا للأمر فإن نجاح الإعلام الاقتصادي يعتمد في أداء رسالته على قدرته في مواكبة التطورات التكنولوجية والاقتصادية المتسارعة، وتلبية احتياجات المستثمرين المتنوعة، والمساهمة الفعالة في تعزيز الثقافة الاستثمارية في المجتمع، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فإنه يجب العمل على تطوير الكوادر الإعلامية المتخصصة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات المالية والإعلامية، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في تطوير المحتوى الإعلامي الاقتصادي وآليات تقديمه للجمهور.
د / إســــــــلام جــمــــال الـــديـــن شـــــــوقـــي
خـــــبـيـر اقــتصـــــــــــــــادي
عــضـو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي