في حقيقة الأمر، لم تبدأ تتدفق التمويلات الخليجية والأجنبية الفعلية إلى مصر إلا منذ شهر مارس الماضي على خلفية الاتفاق الذي انهته مصر مع صندوق النقد الدولي من أجل استئناف رحلة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في شهر ديسمبر عام 2022، حيث قام البنك المركزي المصري في 6 مارس الماضي برفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس، وكذلك تبني تحول في سياسة سعر الصرف حيث قام المركزي بخفض لقيمة الجنيه المصري بأكثر من 60% لقيمته لتقترب قيمة الدولار من 50 جنيه ثم تتراجع تدريجيًا إلى 47 جنيه، مما أعاد السوق المصرفي المصري إلى دائرة الاهتمام.
اقرأ أيضًا.. هل حان الوقت لعودة وزارة الاقتصاد وريادة الأعمال؟.. تفاصيل استراتيجية “الاقتصاد الدائري”
كما اتفقت مصر على زيادة حجم التمويل ضمن البرنامج الخاص بها مع صندوق النقد من 3 مليار إلى 8 مليار دولار حتى عام 2026، ويأتي دعم الصندوق لمصر من أجل زيادة مشاركة القطاع الخاص، ولتعزيز الإدارة الاقتصادية وتحسين قدرة الاقتصاد المصري على الصمود، ولتحقيق نمو أكثر مراعاة للبيئة والقدرة على مواجهة التغيرات المناخية.
ولا شك أن الاتفاق الذي تم بين مصر والإمارات على تنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، كان بمثابة بداية عودة الاستثمارات لمصر مرة أخرى بعد توقفها، والتي تأتي في ضوء الجهود الحالية للدولة المصرية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر حيث تم الاتفاق على الجزء المالي بين الجانبين المصري والاماراتي بإجمالي 35 مليار دولار، تم الحصول على الدفعة الأولى منها في مارس الماضي بإجمالي 15 مليار دولار، كما تسلمت مصر قيمة الدفعة الثانية في 15 مايو الماضي حيث تم الحصول على 14 مليار دولار، وتنازل الإمارات عن وديعة دولارية بقيمة 6 مليار دولار ليصل الإجمالي إلى 20 مليار دولار.
ولقد حصلت مصر على شريحة تقدر ب 820 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، ومن المنتظر أن تحصل على شريحة أخرى مماثلة خلال الفترة المقبلة، ولقد حصلت مصر على تعهدات بتمويلات قد تصل إلى 60 مليار دولار لذلك قامت بتخفيض قيمة الجنيه من أجل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها مع الصندوق وذلك وفقًا لتقرير أعلنت عنه وكالة فيتش في شهر أبريل الماضي، كما تعمل مصر عن جذب المزيد من الاستثمارات لدول الخليج، عن طريق قيام الصندوق السيادي المصري بالترويج عن فرص استثمارية لشركات حكومية يمتلكها وذلك خلال الفترة القادمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه عقب صفقة رأس الحكمة، والإجراءات التي قام بها البنك المركزي المصري عادت مشتريات الأجانب مرة أخرى في أدوات الدين الحكومي والتي يطلق عليها الأموال الساخنة، والتي بلغت نحو 16 مليار دولار وذلك في الفترة منذ شهر مارس حتى مايو الماضي، وذلك لتمويل العجز في الموازنة المصرية مقابل عائد يحصل عليه الأجانب المشترين لتلك الأدوات والتي يتم بيعها عن طريق وزارة المالية من خلال البنك المركزي المصري كل هذا بالإضافة إلى تعهدات من قِبل الإتحاد الأوروبي بتقديم تمويلات تتمثل في مساعدات واستثمارات وقروض بقيمة 8 مليار دولار لصالح مصر خلال الأربع السنوات القادمة للاستثمارات في قطاعات مختلفة.
كما تحاول مصر أن تستهدف جمع 6,5 مليار دولار خلال هذا العام، ولا شك أن ما تقوم به مصر من سعي حثيث لجذب المزيد من الاستثمارات يرجع إلى حاجتها الشديدة إلى التدفقات النقدية الدولارية في أسرع وقت ممكن لإنقاذ الاقتصاد المصري، فضلًا عن إرسال الحكومة المصرية رسالة إلى صندوق النقد الدولي مفادها أنها بصدد تنفيذ تعهدات بشأن التخارج من الشركات وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص، وضمان تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، وذلك من أجل جذب الاستثمار الأجنبي واستثمارات القطاع الخاص المحلي في مصر، وتعظيم دوره في الناتج المحلي الإجمالي بما يدعم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على الأزمة الاقتصادية في مصر.
بقلم / الدكتور إسلام جمال الدين شوقي
خبير الاقتصاد، ومحلل أسواق المال
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي