أعادت واقعة سرقة مجوهرات تعود إلى عهد نابليون بونابرت من متحف اللوفر الفرنسي يوم 19 أكتوبر 2025، فتح ملف تأمين المقتنيات الأثرية والفنية داخل المتاحف العالمية، وسط تساؤلات حول كفاءة أنظمة الحماية وجدوى وثائق التأمين المطبقة في هذا القطاع الحساس.
وقالت الدكتورة أماني الماحي، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين، إن الحادثة تمثل “إنذارًا عالميًا” بشأن الثغرات التي ما زالت تهدد التراث الإنساني، مؤكدة أن “القيمة الثقافية والتاريخية لهذه القطع لا يمكن تعويضها بأي مقابل مادي”.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ”إنفينيتي الاقتصادية” أن السؤال الأكثر إلحاحًا بعد الواقعة هو: هل كانت هذه المجوهرات مؤمّنة فعلاً؟ مشيرة إلى أن الإجابة “ليست بسيطة”، إذ لا تُؤمَّن جميع المقتنيات الفنية تأمينًا تجاريًا تقليديًا.
وأوضحت أن كثيرًا من المتاحف الوطنية الكبرى لا تؤمّن مجموعاتها الدائمة لأنها تُعد تراثًا عامًا لا يُعرض للبيع، ما يجعل تقييمها أو تعويضها ماديًا أمرًا بالغ التعقيد، بينما يتم التأمين غالبًا أثناء نقل القطع أو عرضها خارجيًا فقط.
وكشفت الماحي أن بعض الدول تعتمد نظام “ضمان الدولة” (State Indemnity) بديلاً عن التأمين التجاري، بحيث تتحمل الدولة نفسها مسؤولية التعويض في حال وقوع ضرر، دون تدخل من شركات التأمين الخاصة، مشيرة إلى أن سوق التأمين على الفنون يشهد توسعًا مطّردًا عالميًا، إذ بلغ حجمه نحو 3.24 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4.91 مليار دولار بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي يقارب 4.7%.
أما في أوروبا، فمن المنتظر أن يقفز السوق من 620.9 مليون يورو في 2024 إلى 694.3 مليون يورو في 2027، ما يعكس تزايد إدراك المؤسسات لأهمية حماية التراث الثقافي.
وأوضحت الماحي أن تكلفة تأمين القطع الفنية تختلف حسب قيمتها وطبيعة المخاطر، إذ تتراوح الأقساط عادة بين 0.1% و0.5% من القيمة التأمينية، لكن بعض القطع النادرة لا تُؤمَّن أصلًا لصعوبة تقدير قيمتها. وأضافت أن نحو 54% من القطع المؤمّنة عالميًا تعتبر “ناقصة التأمين” (Underinsured)، ما يعني أن تغطيتها الفعلية أقل من قيمتها الحقيقية.
وأكدت أن التعامل مع سرقة القطع الأثرية يتم عبر سلسلة من الإجراءات تشمل إخطار الشرطة، وإدراج القطعة في قاعدة بيانات الإنتربول، ثم مراجعة وثائق التأمين لتحديد نطاق التعويض. وفي حال وجود تغطية تأمينية، تصبح القطعة ملكًا لشركة التأمين إذا استعيدت بعد صرف التعويض.
أما بالنسبة لمجوهرات نابليون المسروقة، فأشارت الماحي إلى أنه لا توجد تأكيدات رسمية حتى الآن بشأن خضوعها لتأمين تجاري، مرجحة أن تكون “مشمولة بضمان الدولة” أو نوع من التغطية الجزئية فقط، مضيفة أن العلاقة بين متحف اللوفر وشركة AXA هي علاقة رعاية ثقافية وليست عقد تأمين على المقتنيات.
واختتمت الدكتورة أماني الماحي تصريحاتها قائلة: “الحادثة لا يجب أن تُقرأ كجريمة سرقة فقط، بل كجرس إنذار يدعو إلى مراجعة سياسات التأمين والحماية في المتاحف العالمية. فالقيمة التاريخية لا يمكن تعويضها، لكن يمكن تقليل المخاطر عبر أنظمة وقاية حديثة وتغطيات تأمينية أكثر شمولًا”.