في عالم اليوم، لم تعد الدول تقاس بعدد مقاهيها وأبخرة البخور والفيب، بل باتت تقاس بما تنتجه مصانعها وبما يسهم به إنتاجها في حجم الاقتصاد العالمي، ونحن، في مصر، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق حقيقي وسط أزمة اقتصادية باتت تُثقل كاهل المواطن والدولة على حد سواء.
قد يعجبك.. حكومة الخميس.. بنزين 95 وأصحاب الملايين.. لماذا تدعمهم الحكومة؟ ولماذا لا نطبق ضريبة الثروة؟
عاصفة الدولار والتحديات العالمية
وشهدت مصر خلال الفترة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في سعر الدولار، مما أثر سلباً على كل مناحي الحياة، وجاء هذا الارتفاع نتيجة عدة عوامل، أبرزها الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، والتي تسببت في تراجع مصادر الإيرادات الدولارية للدولة، فعائدات قناة السويس، التي طالما كانت واحدة من أبرز دعائم الاقتصاد المصري، تراجعت إلى النصف، نتيجة الاضطرابات في البحر الأحمر. هذه الاضطرابات أدت إلى انخفاض كبير في حركة المرور عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، وبالإضافة إلى ذلك، أثرت الظروف نفسها على إيرادات السياحة، مما وضع الاقتصاد المصري في موقف لا يُحسد عليه.
تلك الأزمة خلقت معادلة صعبة أمام الحكومة، ومع كل هذه الصعوبات، يبدو أن الحل الأمثل يكمن في “التصنيع المحلي”. ولكن، من المؤكد أن هذا المسار لن يكون سهلاً ولن يعطي ثماره بين ليلة وضحاها.
الحقيقة أن التحول إلى اقتصاد صناعي في مصر يحتاج إلى وقت وإلى إرادة قوية وتخطيط محكم. فالصناعة هي العمود الفقري للاقتصاد القوي؛ فكما قال عالم الاقتصاد الشهير أدام سميث، “ثروة الأمم تكمن في قوة إنتاجها”.
وهذا يعني أن الحل الجذري يكمن في الاعتماد على الإنتاج المحلي وتوسيع قدرات التصنيع، سواء للصناعات الثقيلة أو الخفيفة، لكننا بحاجة لأكثر من مجرد إقامة المصانع، بل نحتاج إلى إزالة العراقيل البيروقراطية التي تواجه الاستثمار، وتسهيل التعاون بين الدولة والقطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لدعم هذه المسيرة. الوقت حان لنرى استراتيجية واضحة تجعل من الصناعة سلاحاً يواجه به الاقتصاد المصري التحديات الراهنة.
اقرأ أيضًا.. ما بين الواقع والمأمول.. من مقولة محمود محي الدين إلى نجاح علاء نصر الدين “قصة رجل فكر خارج الصندوق”
نعلم جيداً أن الحكومة تجد نفسها أمام اختيارات صعبة، فهي بين استمرارها في الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة وبين ضرورة الاستجابة لمطالب المواطن الذي تحمل الكثير، لكن هنا يأتي دور القيادة في تقديم خطاب إعلامي وطني يعرض للمواطنين حقيقة الموقف، ويكشف بصدق التحديات التي تواجهها البلاد، وكذلك الفرص التي يمكننا خلقها بالنهوض بالصناعة.
القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي يمكن أن يكونا شريكين أساسيين في هذه الرحلة؛ فالشراكة الحقيقية بين الدولة والقطاع الخاص، مع تأمين المناخ الاستثماري المناسب، يمكن أن تُحدث تغييراً كبيراً. والأمر لا يتوقف عند ذلك، بل يتطلب أيضاً استثماراً في القوى العاملة وتطوير الكوادر لتكون قادرة على تلبية احتياجات السوق الصناعية.
مصر أمامها فرصة ذهبية لتصنع الفارق، ولكن الأمر يحتاج إلى تضافر الجهود بين الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب. ومع وضوح الرؤية وتحديد الأهداف، يمكن للصناعة أن تكون طوق النجاة من الأزمة الحالية.
الكاتب الصحفي محمد عبدالرحمن يكتب سلسلة مقالات على موقع “إنفينيتي الاقتصادية” بعنوان “ما بين الواقع والمأمول”، يتناول خلالها الأحداث العامة والاقتصادية بشكل شامل وتحليلي.