دخلت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فصلًا جديدًا في أبريل 2025، بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 125%، وقامت الصين بالرد سريعًا بفرض رسوم انتقامية رفعت التعريفة على المنتجات الأمريكية إلى 84%، ولم تقتصر هذه الخطوات على زيادة التوتر القائم، بل دفعت العالم كله للتساؤل: إلى أين يتجه هذا الصراع؟ وهل هناك فرصة حقيقية للتهدئة في المستقبل القريب؟
إن ما يحدث اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات طويلة من الخلافات الاقتصادية والسياسية بين الصين، والولايات المتحدة التي ترى أن الصين لم تلتزم بتعهداتها في اتفاقيات تجارية سابقة، وتستمر في دعم صناعاتها المحلية بأساليب تخلّ بالمنافسة العادلة، وفي المقابل تعتبر الصين هذه الإجراءات الأمريكية استفزازًا مباشرًا ومحاولة للابتزاز الاقتصادي والسياسي، وتُصر على الرد بقوة لحماية هيبتها ومكانتها العالمية.
كما يعكس رفع الرسوم الجمركية إلى هذا الحد النوايا الواضحة من كلا الطرفين: التصعيد بدلًا من التفاوض، وإثبات القوة بدلًا من تقديم التنازلات، ولا تقتصر التداعيات الاقتصادية لهذا المسار على الطرفين فقط، بل تمتد لتشمل الاقتصاد العالمي برمّته.
وتشمل أبرز هذه التداعيات:
– ارتفاع الأسعار للمستهلكين: ستبدأ آثار الرسوم سواء بالولايات المتحدة أو الصين في الظهور من خلال ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، مما يضغط على المستهلك العادي ويزيد من معدلات التضخم.
– اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية: ستُجبر الشركات العالمية التي تعتمد على الصين أو أمريكا في التصنيع أو التوريد على البحث عن بدائل، وهو ما يتطلب وقتًا وجهدًا وتكاليف إضافية.
– تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي: حذرت بالفعل مؤسسات مالية دولية من أن استمرار التصعيد قد يُضعف النمو العالمي، خاصةً في ظل هشاشة التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا.
لكن الصراع ليس اقتصاديًا فحسب؛ فله بعد سياسي عميق أيضًا، حيث تسعى إدارة ترامب لإظهار الحزم والسيادة على المسرح الدولي، بينما تُدافع الصين عن كرامتها الاستراتيجية، ولا تقبل بفرض واقع جديد من طرف واشنطن، ويستخدم كل طرف هذه الورقة لتعزيز موقعه السياسي داخليًا وخارجيًا، وهو ما يجعل فرص العودة إلى طاولة المفاوضات في الوقت الراهن ضئيلة، لكنها ليست مستحيلة.
ولا تزال فرصة التهدئة قائمة، وقد تفرضها ضغوط الأسواق، أو احتجاجات من الشركات الكبرى المتضررة، أو حتى تغير في المزاج السياسي العالمي، وتشير المؤشرات إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة شد وجذب طويلة، وقد يستمر هذا النزاع لفترة أطول مما كان متوقعًا.
وفي النهاية، يؤكد التصعيد الأخير أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ما تزال بعيدة عن الحل، ولم يعد هذا الصراع مجرد خلاف تجاري، بل تحوّل إلى مواجهة شاملة على النفوذ والسيطرة في القرن الحادي والعشرين، والخاسر الأكبر فيها ليس فقط الطرفين المتنازعين، بل الاقتصاد العالمي بأسره الذي يتحمل تبعات هذا التوتر المتصاعد.
غـــــــــادة طـــلعـــت
خبيرة الاقتصاد وأسواق المال