إن مصطلح السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية هو إطار شامل يُحقق التكامل بين برنامج عمل الحكومة، ورؤية مصر 2030 ، في ضوء المتغيرات المتسارعة التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية وتستهدف الحكومة من خلالها استمرار مسار الإصلاح الاقتصادي، والتوجه بشكل أكبر إلى القطاعات الأعلى إنتاجية، والأكثر قدرة على النفاذ للأسواق التصديرية والاستفادة مما تم إنجازه من بنية تحتية متطورة تمثل قاعدة داعمة للتصنيع والاستثمار واعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري ويحفز مشاركة القطاع الخاص.

والسردية الوطنية ليست مجرد تعبير إعلامي، بل رؤية استراتيجية شاملة تسعى إلى تحويل مصر إلى قوة صناعية إقليمية ذات قدرة تنافسية عالمية وجوهر هذه السردية هو أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا بالصناعة باعتبارها القاطرة القادرة على توليد فرص العمل وتوفير العملة الصعبة وتحقيق السيادة الاقتصادية.

وتدير السردية الوطنية بوصلة التنمية نحو الصناعات التي تضيف أكبر قيمة مضافة للاقتصاد بهدف التحول من مجرد تصدير خامات إلى تصنيع كامل داخل مصر مع اختيار القطاعات التي تمثل ميزة نسبية ويمكنها أن تكتسب ميزة تنافسية وأهمها:-

• الصناعات التحويلية غير البترولية: وهي التي تقود النمو الصناعي حالياً في مصر، وتضم التصنيع الغذائي والمنسوجات والصناعات الكيماوية والمكونات الإلكترونية.
• الطاقة المتجددة والتصنيع المرتبط بها: مع اكتشافات الغاز والطاقة الشمسية والرياح،يمكن تعميق التصنيع المحلي في توربينات الرياح والألواح الشمسية والمكونات الكهربائية.
• التكنولوجيا المتقدمة والالكترونيات: تسعى الدولة من خلال مبادرات مثل “مصر تصنع الإلكترونيات” إلى إرساء قاعدة تصنيع رقمي متكامل في الداخل.
• السيارات وقطع الغيار: الحكومة أطلقت استراتيجية لصناعة السيارات تجعل مصر مركز تجميع وتصنيع إقليمي مع فرض المحتوى المحلي لتعميق التصنيع الداخلي.
• الصناعات الغذائية الزراعية المُصنَّعة: فبعد عقود من تصدير منتجات خام (مثل الحبوب، الزيوت، التمور)، ينبغي زيادة القيمة المضافة عبر التعبئة والتغليف والتصنيع النهائي داخل مصر.

وتمتلك مصر مقومات صناعية وفق رؤية 2030 تجعلها قادرة على أن تصبح مركزًا صناعيًا إقليميًا، فالموقع الجغرافي العبقرى يربط بين ثلاث قارات ويجعلها جسرا رئيسيا في التجارة الدولية. أما السوق المحلية التي تضم أكثر من 120 مليون نسمة فهي قاعدة استهلاكية ضخمة وضمانة لاستدامة الإنتاج ، ويضاف إلى ذلك أن مصر عضو في شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة مع إفريقيا وأوروبا والدول العربية واللاتينية بما يفتح أمام منتجاتها أسواقًا تصل إلى أكثر من 1.3 مليار نسمة.

ولكن مجرد الإنتاج لا يكفي ، فالجودة هي كلمة السر لنجاح الصناعة المصرية والأسواق العالمية لا تقبل إلا منتجات تحقق المواصفات الدولية وتجربة الصناعات الدوائية والكيماوية المصرية أوضحت أن الالتزام بالمعايير يفتح أبواب أوروبا وإفريقيا أمام المنتج المصري وهنا تضع الدولة سياسات لدعم الشركات في الالتزام بالمواصفات القياسية واعتماد نظم الجودة العالمية.

وقضية التصدير لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة وجودية للاقتصاد المصري ، ووفق بيانات وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بلغ إجمالي الصادرات المصرية في 2024 نحو 45.3مليار دولار بزيادة 6.5٪ عن 2023، منها حوالي  39.9مليار دولار صادرات غير نفطية، وهو ما يعكس نجاح سياسة تعميق الصناعة، وحققت الصناعات الغذائية وحدها صادرات قياسية قاربت 6.1 مليار دولار، بينما سجلت الصناعات الهندسية والإلكترونية نحو 5.7 مليار دولار وهذه الأرقام تعكس أن التصدير أصبح أحد أعمدة توفير العملة الصعبة ودعم الاحتياطي النقدي.

وأصبح فتح أسواق جديدة الرهان الأكبر والتوجه نحو إفريقيا باعتبارها سوق المستقبل ومع دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز التنفيذ (وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل)  أصبحت القارة سوقًا موحدة تضم 1.3 مليار نسمة ومصر تتحرك بقوة لتعزيز حضورها عبر المعارض التجارية والخطوط اللوجستية الجديدة والاستثمار في المراكز اللوجستية. وفي الوقت ذاته تسعى القاهرة إلى تنويع أسواقها عالميًا لتقليل الاعتماد على عدد محدود من الشركاء التجاريين.

هذا، ولايمكن تجاهل تأثير الأحداث السياسية في المنطقة والعالم على الصادرات المصرية، فالحرب في غزة والاضطرابات في البحر الأحمر وأزمة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية كلها فرضت تحديات على تكلفة النقل وأسعار المواد الخام ومع ذلك تتبني مصر سياسة تنويع الأسواق.

ومن أهم أدوات دعم السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية إنشاء مناطق صناعية متكاملة حيث تمتلك مصر ما يقرب من177   منطقة صناعية موزعة على مختلف المحافظات، مع استثمارات موجهة لتطوير البنية التحتية بنسبة تقارب 37%من استثمارات الدولة في موازنة 2024/2025 مثل مدينة الدواء في الخانكة والروبيكي للجلود والمنطقة الصناعية الجديدة في جنوب بورسعيد، وكلها تعكس التوجه نحو ايجاد تجمعات إنتاجية قادرة على المنافسة والتصدير.

وأيضًا أهم أهداف الاستراتيجية الصناعية المصرية هو وقف تصدير الخامات مثل القطن والفوسفات والذهب والاعتماد على التصنيع الكامل داخل البلاد وهذه السياسة تضمن مضاعفة العائدات وتحويل مصر إلى مصدر للمنتجات النهائية بدلاً من تصدير المواد الخام.

وكل هذه المعطيات تشير إلى أن مصر تتحرك بخطوات واضحة لتصبح مركزًا صناعيًا إقليميًا يخدم إفريقيا والشرق الأوسط ويطل على أوروبا عبر المتوسط.

إن الصناعة بالنسبة لمصر ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل قضية سيادة وطنية وأداة استراتيجية لتعزيز مكانتها الدولية ، فالمعركة الحقيقية ليست فقط في الأسواق العالمية، بل هى معركة الجودة والإبداع والقدرة على تحويل الإمكانيات إلى إنجازات.

وإذا كانت مصر قد حققت قفزة في صادراتها عام 2024، فإن التحدي القادم هو الاستدامة والتوسع حتى يصبح شعار “صُنع في مصر” مرادفًا للجودة والتنافسية العالمية، وإذا نجحنا في أن ننتج منتجًا مصريًا بمعايير عالمية في الطاقة والإلكترونيات والسيارات والصناعات الغذائية سنكون قد أوجدنا دعامة حقيقية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

      الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

  عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.