الثلاثاء, 18 نوفمبر, 2025
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

شراكة مصر ولبنان.. رؤية استراتيجية عربية لمواجهة تحديات شرق المتوسط

اختتمت الدورة العاشرة للجنة العليا المصرية اللبنانية المشتركة أعمالها بالقاهرة مطلع نوفمبر الجارى برئاسة رئيسي وزراء البلدين وتمثل علامة فارقة في مسار العلاقات بين البلدين إذ يعيد هذا الحدث الحيوي الزخم إلى علاقة تمتد جذورها إلى عقود من التعاون العربي المشترك ويؤكد أن الشراكة بين القاهرة وبيروت لم تعد محصورة في البعد الثنائي فحسب، بل تمتد إلى فضاء أوسع يشمل أبعادًا إقليمية ودولية تتقاطع مع مصالح واستقرار المنطقة بأكملها.

 

أولاً: علاقات متجددة ومؤسسية

 

كانت العلاقات المصرية اللبنانية عبر التاريخ مثالاً للتواصل الثقافي والاقتصادي غير أن انعقاد الدورة العاشرة بعد فترة من التوقف منح هذه العلاقة بعدًا جديدًا يقوم على المؤسسية والتكامل الاقتصادي. وقد تميزت فعاليات الدورة بطابع عملي واضح إذ تم توقيع نحو 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشمل قطاعات النقل البحري والجمارك والزراعة والتعليم الفني والإسكان والحماية الاجتماعية إضافة إلى التعاون في الحوكمة والإدارة المحلية. وهذه الاتفاقيات لا تمثل فقط أوراق تفاهم، بل هي أدوات تنفيذية تضع الأساس لتعاون إنتاجي واستثماري حقيقي بين البلدين خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه لبنان وحرص مصر على دعم استقراره كجزء من أمنها القومي العربي.

 

ثانيًا: مؤشرات اقتصادية مشجعة:

 

تشير البيانات الرسمية أن حجم التبادل التجاري بين مصر ولبنان بلغ مليار دولار في عام 2024 بزيادة تقارب 30% عن عام 2023 حيث ارتفعت الصادرات المصرية إلى لبنان إلى نحو 763 مليون دولار، مقابل واردات لبنانية بقيمة 238 مليون دولار. كما بلغت الاستثمارات اللبنانية في مصر 51 مليون دولار خلال العام المالي 2023/2024 فيما بلغت الاستثمارات المصرية في لبنان حوالي 10مليون دولار.

ورغم أن هذه الأرقام تبدو متواضعة مقارنة بإمكانات البلدين فإنها تمثل اتجاهًا تصاعديًا يؤكد نجاح آليات التعاون خاصة مع توجه البلدين لتفعيل التسهيلات الجمركية وتطوير الخطوط الملاحية المباشرة بين موانئ الإسكندرية وبيروت وطرابلس وتُقدَّر التوقعات الرسمية بأن يرتفع حجم التبادل التجاري إلى نحو 1.3 مليار دولار عام 2026 مع تطبيق الإجراءات الجديدة.

 

ثالثًا: البعد الاستراتيجي والإقليمي:

 

تشير اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الى دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز الاقتصاد إلى الاستقرار الإقليمي العربي فمصر تؤكد من خلال هذه الشراكة دعمها الثابت لاستقرار لبنان ووحدته الوطنية باعتباره جزءًا من الأمن القومي العربي وخط الدفاع الأول عن التوازن الإقليمي في شرق المتوسط.، كما أن التعاون بين البلدين يأتي في سياق جهود القاهرة لإعادة بناء محور عربي متوسطي قادر على مواجهة التحديات الإقليمية وعلى رأسها أمن الطاقة والهجرة غير الشرعية والأمن الغذائي.

 

إن تفعيل التعاون بين مصر ولبنان في مجالات الطاقة والنقل واللوجستيات والزراعة يشكل ركيزة لربط المشرق العربي بالمغرب العربي عبر البحر المتوسط بما يخدم رؤية مصر الطموحة لأن تكون مركزًا محوريًا للطاقة والتجارة الإقليمية.

 

ومن جانب آخر، يتسق الموقف المصري اللبناني مع الدور المصري المتوازن في السياسة الإقليمية حيث تحرص القاهرة على دعم مؤسسات الدولة الوطنية في مواجهة محاولات تفكيكها أو إضعافها وتعد مساندة مصر للبنان امتدادًا لموقفها الداعم لوحدة سوريا والعراق والسودان في إطار رؤية شاملة لتعزيز الأمن العربي الجماعي في مواجهة الأزمات الممتدة في الإقليم.

 

رابعًا: انعكاسات دولية وتقاطعات اقتصادية:

 

تأتي الدورة العاشرة من حيث البعد الدولى في لحظة تشهد فيها المنطقة تحولات اقتصادية كبرى بفعل الأزمات الجيوسياسية العالمية وتغير موازين الطاقة والتجارة ، فمصر ولبنان يسعيان معًا إلى الاستفادة من موقعهما الاستراتيجي على البحر المتوسط لجذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل شراكات مع الاتحاد الأوروبي ضمن مبادرات الاستثمار الأخضر والتحول للطاقة النظيفة كما يعكس التنسيق المصري اللبناني توافقًا مع الاتجاه الدولي نحو تنويع سلاسل الإمداد والتوريد وتقليل الاعتماد على المحاور المتوترة، إذ يمكن للبنان أن يكون بوابة للمنتجات المصرية إلى أسواق المشرق العربي بينما تمثل مصر منفذًا آمنًا للصادرات اللبنانية نحو إفريقيا والخليج العربي.

 

ومن الجدير بالذكر أن مصر تدعم لبنان في ملف الطاقة والكهرباء من خلال مشروعات الربط الإقليمي التي تشمل الأردن وسوريا ولبنان وهي مشروعات ذات أهمية استراتيجية لدمج البنية التحتية العربية وتعزيز أمن الطاقة الإقليمي.

 

خامسًا: نحو شراكة عربية أكثر واقعية:

 

لم تقتصر اجتماعات اللجنة المشتركة على الجوانب البروتوكولية، بل ركزت على تحويل التعاون السياسي إلى نتائج اقتصادية ملموسة مع إشراك القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات حيث تم الاعلان عن نية الجانبين عقد منتدى للأعمال المصري اللبناني مطلع عام 2026 لتعزيز الشراكات الاستثمارية خاصة في مجالات الإسكان والطاقة والتعليم الفني والصناعات الغذائية.

 

وفي الوقت ذاته، يبرز الدور المصري كمحرك لتجديد مفهوم التكامل العربي الاقتصادي في وقت يتزايد فيه إدراك العواصم العربية أن التنمية هي خط الدفاع الحقيقي عن الأمن والاستقرار ومشاركة لبنان في هذه الرؤية تمنحه فرصة لإعادة بناء اقتصاده بدعم من الخبرة المصرية الواسعة في مجالات البنية التحتية والإصلاح الإداري.

 

هذا ، ولم تكن الدورة العاشرة للجنة العليا المصرية اللبنانية مجرد حدث دبلوماسي، بل تعبير عن رؤية استراتيجية جديدة ترى في التكامل العربي رافعة للتنمية والاستقرار وفي الشراكة المصرية اللبنانية نموذجًا لتعاون واقعي ومتوازن يستجيب للتحديات الإقليمية والدولية.

 

إن القاهرة وبيروت اليوم لا تكتفيان بحديث التاريخ فقط، بل تؤسسان لمرحلة جديدة من التعاون المؤسسي والمصالح المشتركة قوامها التنمية والأمن والاستقرار وبما يرسّخ دور مصر القيادي في المنطقة ويمنح لبنان سندًا عربيًا صادقًا في مواجهة أزماته وتطلعاته نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.

 

     الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر

  عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

 

إنفينيتي الاقتصادية

ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.

ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.

كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة