احتضنت مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا قمة مجموعة العشرين (G20) تحت شعار: “التضامن، المساواة، الاستدامة” في أول قمة من نوعها تُعقد على أرض إفريقية وهذه المناسبة لم تكن مجرد اجتماع اقتصادي روتيني، بل لحظة محورية تعكس تحولات عميقة في النظام الدوليودور دول الجنوب بصورة متزايدة في إعادة صياغة أولويات التمويل العالمي والتنمية.
وشكلت مشاركة مصر في القمة بوفد برئاسة رئيس الوزراء منصة لطرح طموحات استراتيجية اقتصادية وسياسية وجاءت في وقت ترتفع فيه الأصوات الداعية لإصلاح النظام المالي العالمي وتحمل القاهرة رؤية واضحة لكيفية ترجمة إعلان قمة العشرين إلى مشروعات تنموية خاصة في البُعد الإفريقي .
أهم نقاط البيان الختامي للقمة وتحليل دلالاتها:
- استدامة الديون : من أبرز أولويات البيان الختامي هو الالتزام بضمان استدامة الدين للدول منخفضة ومتوسطة الدخل ودعا القادة إلى تكثيف الجهود الدولية ضمن مؤسسات مثل البنوك متعددة الأطراف من خلال آليات شفافة لإعادة هيكلة الديون وخفض التكاليف وفترة السداد. وهذا التوجه يعزز طلب مصر والدول النامية الأخرى بآليات دين أكثر مرونة تمكّنها من الاستثمار في التنمية بدلاً من خدمة ديونها.
- التمويل المناخي والطاقة النظيفة : أكد البيان على ضرورة تعزيز التمويل العادل عالي الجودة لدعم الانتقال الطاقي في الدول المحتاجة خاصة تلك الأكثر تضرّرًا من التغير المناخي. ودعم استغلال المعادن الحرجة (Critical Minerals) في الدول المصدّرة بطريقة مستدامة ليكون لها دور محوري في بناء اقتصاد أخضر دون استغلال بيئي أو اجتماعي وهذه الفقرة تفتح أمام مصر فرصًا كبيرة للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة (مثل الهيدروجين الأخضر) وتعزيز صناعات التعدين بطريقة مستدامة تقود التحول البيئي في نطاق إقليمي.
- عدم المساواة الاقتصادية :أحد الدعائم الكبرى هو الاعتراف بوجود تفاوت اقتصادي واجتماعي مزمن والطموح نحو معالجة الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة وكذلك داخل الدول نفسها. ودعا البيان إلى تبنّي استراتيجيات دولية لتقليل التفاوت مما يعكس توجهًا نحو عدالة تنموية وليس مجرد نمو اقتصادي وهذا يعني أن القمة تفتح نوافذ دعم دولي لبرامج تنمية اجتماعية (تعليم، صحة، البنية التحتية) يمكن أن تساهم في تحسين الأوضاع المحلية وتقوية الاستقرار.
- البنية التحتية والتكامل الإقليمي :شدد البيان على أهمية استثمار البنية التحتية العابِرة للحدود وتطويرها عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الترابط الإقليمي. وهذه النقطة مهمة جدًا لمصر التي تسعى لتوسيع شبكة الربط مع إفريقيا (موانئ وسكك وطاقة) وتُسهم في ترسيخ موقعها كمركز لوجستي وصناعي إقليمي.
- صمود أمام الكوارث المناخية :أدرج البيان التزامًا بدعم الدول الأكثر هشاشة لمواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ من خلال تمويل ما بعد الكوارث وتعزيز قدرات التكيف والصمود وهذا البعد التنموي مهم جدًا لمصر وشركائها الإفريقيين خاصة مع التحديات المناخية التي تزيد من مخاطر الفيضانات والجفاف والتغيرات البيئية.
- التعددية العالمية : جاء في البيان تأكيد على التعددية كركيزة أساسية لمعالجة الأزمات العالمية وأنه لا بد من مقاربات قائمة على التعاون الدولي وهذا يشكل دعمًا لمواقف مصر التي تدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية وجعلها أكثر تمثيلاً للدول النامية وليس محصورة في الدول الكبرى فقط .
أهم الدلالات الاستراتيجية لمصر من قمة العشرين :
أ-مصر صوت إفريقيا: ان مشاركة مصر في قمة تستضيفها دولة إفريقية تحت شعار العدالة والتنمية تمثل فرصة ذهبية لإعادة ترسيخ دورها كصوت إفريقي فاعل ومصر يمكن أن تسهم في صياغة أولويات القارة على صعيد الديون والمناخ والبنية التحتية.
ب-جذب الاستثمار التنموي: من خلال التركيز على التمويل الأخضر والبنية التحتية العابِرة للحدود ويمكن لمصر أن تستقطب استثمارات ضخمة من مؤسسات التنمية الدولية خاصة إذا ربطت هذه الاستثمارات بمشروعات استراتيجية (موانئ + مناطق صناعية + طاقة متجددة).
ج-تعزيز دبلوماسيتها العالمية : مطالبة مصر المستمرة بإصلاح النظام المالي والدولي تعزز من مصداقيتها الدولية ليس فقط كمستفيد من التنمية، بل كطرف يقترح حلولاً عملية وهذا يدعم دور القاهرة في مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
د- تنشيط ملف عضوية مصر فى ال G20: دأبت القاهرة فى أجندتها على الاهتمام بالقضايا الجوهرية مثل الدين الخارجى والتمويل والمناخ والتنمية والبنية التحتية وهو مايعتبر مبرر قوي لمصر لطلب التحول من كونها مدعوة أو مراقب إلى “عضو فاعل” فى مجموعة العشرين حيث أوضح البيان الختامي أن أولويات مثل استدامة الدين وشمول التمويل أصبحت ضمن أولويات القادة مما يعزز قوة الحجة المصرية للانضمام الكامل كعضو عامل فى المجموعة .
هذا ، وتتمثل أهم التحديات الرئيسية أمام استثمار نتائج القمة في ضمان أن تمويل الديون والمشروعات لا يبقى مجرد كلمات فقط، بل يتحول إلى أموال فعلية موجهة للدول والشركاء التنمويين.
– دعم ملف إعادة إعمار غزة والتنمية شرط للسلام: ربط رئيس مجلس الوزراء بين الاستقرار الاقتصادي والتنمية وبين تحقيق السلام في الشرق الأوسط مؤكدًا أن الوضع في غزة يمثل اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي وأعلن استعداد مصر لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة داعيًا دول مجموعة العشرين للمشاركة في الجهد الإنساني والإنمائي. وبهذا الطرح أكدت مصر مجددًا أنها ليست مجرد وسيط سياسي، بل شريك في البناء والتنمية وأن رؤيتها تقوم على دمج البعد الإنساني بالبعد الاستراتيجي كما نجحت مصر في تحويل الملف من موضوع إنساني إلى أولوية اقتصادية دولية ضمن أجندة ال G20 .
ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب اتخذت موقفًا سلبيا من قمة العشرين في جوهانسبرج معلنة عدم مشاركة أي مسئول حكومي أمريكي وقد برر الرئيس ترامب هذا الموقف باتهام حكومة جنوب أفريقيا باضطهاد المزارعين البيض ومصادرة أراضيهم معتبرًا أن حضور واشنطن سيمنح شرعية لسياسات يراها غير عادلة مما أدى لتوتر دبلوماسي بين واشنطن وبريتوريا وأرسل رسالة اعتراض على توجهات القمة التي ركزت هذا العام على أجندة التنمية والجنوب العالمى ، ومن ناحية أخرى أعلن الرئيس ترامب عن طموحه لاستضافة قمة G20 عام 2026 في ميامي مما يعكس رغبته في إعادة تحديد جدول أعمال مجموعة العشرين من خلال استغلال رئاسته المقبلة.
هذا، وتمثل مشاركة مصر في قمة جوهانسبرج 2025 محطة استراتيجية في مسار تطور دورها الاقليمى والدولي من دولة تراقب إلى دولة نظّمت أجندة للتغيير حيث تتماشى النقاط الأساسية في البيان الختامي للقمة من الدين إلى المناخ إلى البنية التحتية مع أولويات القاهرة التنموية والإستراتيجية.
وإذا نجحت مصر في ترجمة هذه المواقف إلى شراكات ومشروعات فعلية فإن ذلك يرسخ دورها كلاعب اقليمى ودولي فاعل في إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي لصالح دول الجنوب.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.


