يشهد قطاع التأمين وإعادة التأمين تحولات جذرية لمواكبة التحديات العالمية المتعلقة بالتغير المناخي والعدالة الاجتماعية والحاجة إلى الحوكمة الرشيدة. أصبح تطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) أمرًا ضروريًا لتحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة، وضمان مستقبل مستدام للمجتمعات والشركات على حد سواء. فالاهتمام المتزايد من الحكومات والمستثمرين والعملاء تجاه الشركات المسؤولة بيئيًا واجتماعيًا يجعل من ESG عنصرًا أساسيًا لاستراتيجية الشركات التي تطمح إلى تعزيز مكانتها التنافسية وبناء علاقات مستدامة مع كافة الأطراف المعنية.
1- الأثر البيئي: دعم الاقتصاد الأخضر وإدارة المخاطر المناخية
أ. دور التأمين في تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة
تساهم شركات التأمين بدور محوري في دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال توفير التغطية التأمينية لمشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. من خلال تقديم تغطيات مخصصة لهذه القطاعات، تساعد الشركات على تقليل المخاطر المالية المرتبطة بالمشاريع الخضراء، مما يشجع المستثمرين على زيادة الاستثمارات في حلول الطاقة النظيفة التي تساهم في الحد من التلوث والتغير المناخي.
ب. إدارة الكوارث الطبيعية
نظرًا للتأثير المتزايد للتغيرات المناخية، أصبحت شركات التأمين أكثر انخراطًا في تطوير سياسات تضمن حماية المجتمعات من آثار الكوارث البيئية مثل الأعاصير والفيضانات. يعمل التأمين على تعزيز استجابة المجتمعات للكوارث من خلال توفير التعويضات السريعة، وتقليل الفجوة المالية التي قد تحدث نتيجة الأضرار الكبيرة، مما يسهم في استقرار المجتمعات وسرعة تعافيها.
2 التأثير الاجتماعي: تعزيز الشمول وحماية المجتمعات
أ. توسيع التغطية التأمينية للمجتمعات المحرومة
تسعى شركات التأمين إلى تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توسيع التغطية التأمينية لتشمل الفئات الضعيفة والمناطق المحرومة. يعد ذلك جزءًا من التزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية ويدعم الاستقرار الاجتماعي من خلال تقليل فجوة الوصول إلى الخدمات المالية، مما يتيح للمزيد من الأفراد الحصول على حماية مالية تؤمنهم ضد المخاطر.
ب. تقديم برامج تأمين صحية وتعليمية
تعكس برامج التأمين الصحي والتعليمي أهمية المعايير الاجتماعية في تحسين مستوى الحياة للأفراد. توفر هذه البرامج حلولًا مبتكرة لتمويل التعليم والرعاية الصحية، مما يساعد في تقليل العبء المالي على الأسر ويضمن استقرار المجتمعات. ومن خلال هذه المنتجات، تستطيع شركات التأمين تعزيز قاعدة عملائها وزيادة ولاء العملاء من خلال تقديم قيمة حقيقية تعود بالنفع على المجتمع ككل.
3 – الحوكمة الرشيدة: الشفافية والمساءلة لضمان الثقة والاستقرار
أ. تعزيز الشفافية وبناء الثقة
تُعد الشفافية إحدى الركائز الأساسية لمعايير الحوكمة الرشيدة في قطاع التأمين، حيث تساهم في بناء ثقة قوية بين الشركة وعملائها ومساهميها. تعتمد شركات التأمين التي تتبنى هذه المبادئ على ممارسات واضحة تتيح للمستثمرين والعملاء رؤية أوجه الإنفاق وإدارة المخاطر بوضوح، مما يعزز من سمعة الشركة ويزيد من ولاء العملاء والمستثمرين على حد سواء.
ب. تقليل الفساد وتعزيز المساءلة
يلعب الالتزام بالحوكمة الرشيدة دورًا محوريًا في تقليل الفساد الداخلي وتوفير إطار محكم للمساءلة داخل الشركة. تساعد هذه المبادئ على تنظيم آليات الإدارة والرقابة بما يضمن سير العمليات بشفافية وكفاءة، مما يساهم في تحسين الأداء العام للشركة وتعزيز قدرتها على التكيف مع المتغيرات الخارجية.
4 – تحقيق أرباح مستدامة من خلال تطبيق معايير ESG
أ. جذب المستثمرين الراغبين في الاستثمارات المستدامة
أصبح المستثمرون حول العالم أكثر اهتمامًا بالاستثمار في الشركات التي تلتزم بمبادئ الاستدامة، حيث يرون فيها فرصًا للنمو المستدام مع تقليل المخاطر البيئية والاجتماعية. إن تبني شركات التأمين لمعايير ESG يجعلها أكثر جاذبية لهؤلاء المستثمرين، ويعزز من قدرتها على استقطاب رؤوس الأموال التي تدعم الابتكار والاستدامة، مما يسهم في تحقيق أرباح مستدامة على المدى الطويل.
ب. تقليل المخاطر الاستثمارية من خلال توجيه الاستثمارات نحو المشاريع المستدامة
يسهم الالتزام بمعايير ESG في توجيه استثمارات شركات التأمين نحو مشاريع أكثر استدامة، مما يقلل من المخاطر المالية المرتبطة بالتقلبات البيئية والسياسية. يعد هذا التوجه خطوة استراتيجية تساعد الشركات في تحقيق استقرار مالي وأرباح مستقرة، من خلال استثمارات ذات قيمة مستدامة لا تتأثر سلبًا بالتحديات المناخية أو الاجتماعية.
5 – الاستعداد للتشريعات المستقبلية وتجنب الغرامات المالية
أ. مواكبة المتطلبات القانونية
مع التوجه العالمي المتزايد نحو فرض تشريعات بيئية واجتماعية صارمة، فإن تبني معايير ESG يضع شركات التأمين في موقع متميز يمكنها من الامتثال السريع لأي متطلبات قانونية جديدة. يُجنب هذا الشركات المخاطر المحتملة للغرامات المالية والتأثيرات السلبية على سمعتها، ويمنحها ميزة تنافسية في السوق.
ب. تعزيز سمعة الشركة والتزامها بالقيم المستدامة
تسهم معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في تحسين سمعة شركات التأمين ككيانات مسؤولة، مما يجذب العملاء والمستثمرين الذين يسعون للتعامل مع شركات تتبنى قيمًا قوية للاستدامة. تعزز هذه السمعة الجيدة من ولاء العملاء وثقتهم بالشركة، مما يدعم النمو المستدام للشركة ويزيد من حصتها السوقية.
6 – استراتيجيات بيئة العمل: الابتكار لزيادة الإنتاجية والربحية
أ. تعزيز بيئة عمل مستدامة وفعالة
تساعد معايير ESG على تحسين بيئة العمل داخل شركات التأمين من خلال اعتماد ممارسات تساهم في تقليل التكاليف وتحسين الإنتاجية. من خلال تشجيع العمل الجماعي والابتكار والتركيز على رفاهية الموظفين، تستطيع الشركات بناء فرق عمل ملتزمة ومتحفزة تقدم خدمات عالية الجودة تعزز من سمعة الشركة وتحسن النتائج المالية.
ب. الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء لتحسين الكفاءة التشغيلية
يعد الاستثمار في تقنيات صديقة للبيئة، مثل الأتمتة الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، خطوة حاسمة نحو تحقيق كفاءة تشغيلية أعلى. تتيح هذه التقنيات للشركات تقليل تكاليف التشغيل وزيادة رضا العملاء من خلال تسريع الإجراءات مثل معالجة المطالبات وخدمة العملاء، مما يعزز الأرباح على المدى الطويل
مستقبل قطاع التأمين بين التحديات والفرص
فايمكن القول إن معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) أصبحت ضرورة لا غنى عنها لقطاع التأمين وإعادة التأمين، حيث تعزز من قدرة الشركات على مواجهة التحديات العالمية وتحقيق أرباح مستدامة. يمثل تبني هذه المعايير خطوة استراتيجية تساعد الشركات على بناء علاقة قوية مع العملاء والمستثمرين، وتعزز من مكانتها في السوق، وتساهم في خلق قيمة اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد
د.أمانى الماحى
رئيس قطاع – مصر للتأمين
خبيرة إعادة التأمين
محكم دولى- مستشار العلاقات الدبلوماسية
الرئيس التنفيذى بمصر للمنظمة الافريقية لسيدات التأمين
AIWA المنبثقة من المنظمة الأفريقية للتأمين AIO