في ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها مصر، يبقى سوق العقارات واحدًا من أكثر القطاعات حيوية واستقرارًا، ورغم التحديات المتمثلة في التضخم وارتفاع أسعار المواد الخام، لا يزال العقار يحافظ على مكانته كملاذ آمن، ليس فقط للمواطن العادي، بل حتى للمستثمرين الباحثين عن استقرار طويل الأمد.
السوق العقاري المصري يتمتع بجاذبية خاصة، ربما لكونه مرتبطًا بثقافة مجتمعية عميقة تؤمن بأن العقار لا يخسر، وأن “الشقة هي الأمان الحقيقي”، هذه القناعة الراسخة هي التي دفعت الملايين إلى تفضيل الاستثمار في وحدات سكنية أو تجارية، في وقت يتخوف فيه الكثيرون من تقلبات العملات وأسواق المال.
المعادلة تبدو معقدة؛ فالعرض محدود، والطلب في تزايد مستمر نتيجة النمو السكاني وتغير نمط الحياة. وبالتوازي، تضخ الدولة استثمارات ضخمة في المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين والجلالة، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام المستثمرين، ويخلق فرصًا جديدة للشراء والتمليك.
لكن لا يمكن إنكار حجم التحديات، أبرزها ارتفاع تكلفة البناء الناتج عن زيادة أسعار الحديد والأسمنت والتشطيبات، فضلًا عن تأثير تقلب سعر الصرف على المواد المستوردة. أضف إلى ذلك الفجوة الواضحة بين الأسعار والقدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والشابة، والتي تجعل من حلم التملك تحديًا يوميًا.
في رأيي، المرحلة القادمة ستشهد تغيرًا في شكل السوق. الشركات ستتجه إلى تقليل مساحة الوحدات لتناسب إمكانيات الشباب، وستسعى البنوك لتوسيع قاعدة التمويل العقاري بفترات سداد أطول وفوائد أقل. السوق سيعاد تشكيله بما يلائم احتياجات المواطن الحقيقي، وليس فقط المستثمر الباحث عن الربح السريع.
لمن يفكر في الشراء الآن، النصيحة الأهم هي: لا تنتظر انخفاضًا خياليًا في الأسعار. الفرص الحقيقية تأتي في المناطق ذات النمو المستقبلي، ومع مطورين عقاريين لديهم سجل موثوق ومصداقية في التنفيذ.
في النهاية، سوق العقارات في مصر ليس مجرد أرقام ومساحات، بل هو انعكاس مباشر لحالة البلد ومستقبلها، وعلى كل مشتري أو مستثمر أن يعي أن قراره اليوم سيكون جزءًا من خريطة اقتصادية تتشكل بعناية ودقة في قلب الوطن.
بقلم: تهاني الغندور – خبيرة عقارية، ومديرة لمشروعات الإسكان في القطاع الخاص