فى تاريخ الأمم لحظات فارقة تقف فيها الشعوب على حافة الهاوية ، وثورة 30 يونيو 2013 في مصر لم تكن مجرد انتفاضة ضد نظام سياسي، بل كانت لحظة مصيرية اختار فيها الشعب أن ينقذ مصر وخرجت الملايين من المصريين رفضًا لاغتصاب هوية الدولة، ولم تكن مجرد لحظة انفجار، بل بداية مرحلة صعبة من إعادة ترسيم ملامح “الدولة الوطنية”، وصياغة توازن جديد بين القوة والعدالة، بين الأمن والحرية، بين بناء المؤسسات وضمان المشاركة حيث أعادت مصر تموضعها إقليميًا ودوليًا وبنت جيشًا قويًا وأطلقت مشروعات تنموية غير مسبوقة.
إن قراءة ثورة 30 يونيو بعد مرور 12 عام ليست مجرد تقييم لثورة، بل محاولة لفهم مسار شعب قرر أن يثور مرتين خلال ثلاث سنوات فقط ، وأن يرسم بوعيه ملامح الدولة التي يريدها، وبداية مشروع وطني لإنقاذ مصر واستعادتها، وإعادة بنائها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن ، خاضت مصر معارك بناء وتنمية لتتحول إلى دولة قوية تسعى لتثبيت موقعها في خريطة العالم.
ونعرض بعض انجازات ثورة 30 يونيو كالتالي :-
أولًا: الإنجازات الداخلية وتأسيس الجمهورية الجديدة بعد 30 يونيو، حيث واجهت مصر أخطر تحدياتها من إرهاب منظم إلى شبه شلل اقتصادي، إلا أن القيادة المصرية الحكيمة نجحت في:-
1-استعادة هيبة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وإصلاح المنظومة الأمنية وتحديث قدراتها والقضاء على البؤر الإرهابية في شمال سيناء عبر عمليات عسكرية متكاملة .
2-مسار التنمية الشاملة منذ 2014، انطلق مشروع قومي شامل لإعادة بناء الدولة وأهم بنوده :
-قناة السويس الجديدة (2015) كرمز للسيادة والعبور الاقتصادي.
-العاصمة الإدارية والعلمين والمنصورة الجديدة كمدن ذكية تعكس طموح الدولة الحديثة.
-المشروع القومي للطرق الذي تجاوز 7000 كم.
-مبادرة حياة كريمة: أكبر مشروع تنموي في مصرلتطوير 4500 قرية تخدم أكثر من 60 مليون مواطن.
3-الاصلاح الاقتصادي: تبنت مصر منذ عام 2016 برنامجًا إصلاحيًا مع صندوق النقد الدولي تضمن تحرير سعر الصرف وخفض دعم الطاقة تدريجيًا وتحسين وتعزيز مناخ الاستثمار وزيادة الاحتياطي النقدي الذي بلغ حاليا حوالي 49 مليار دولار وخفض البطالة إلى أقل من 7% عام 2025 رغم التحديات العالمية.
4-التعليم والصحة والتحول الرقمي والذي شمل : إطلاق نظام التعليم الجديد لتطوير مناهج التفكير النقدي والابتكار وتوسيع مظلة التأمين الصحي الشامل تدريجيًا ورقمنة الخدمات الحكومية ضمن مشروع “مصر الرقمية.
ثانيًا: التحولات الإقليمية – مصر عنصر محوري يشارك فى رسم خرائط المنطقة:-
1-قيادة محور الاستقرار العربي شكلت مصر بعد 30 يونيو حجر الزاوية في تحالف خليجى لمواجهةالإرهاب والتدخلات الخارجية في الشأن العربي والمشروع الإخواني المدعوم من تركيا وقطر والتفكك الحاصل في ليبيا، سوريا، اليمن، والسودان والصومال.
2-الملف الليبي والسوداني :دعمت مصر الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وأطلقت مبادرة القاهرة (2020) لحل الصراع الليبي. كما تعاملت مصر بحكمة مع الأزمة السودانية (2023–2025)، من خلال جهود الوساطة والدعم الإنساني، وحماية أمنها المائي والحدودي .
3-القضية الفلسطينية :استضافت مصر عدة جولات من مفاوضات المصالحة الفلسطينية وقادت جهود التهدئة بعد كل تصعيد في غزة 2014، 2018، 2021، 2023 كما طرحت مصر في 2024 رؤية لحل سياسي يشمل تنمية غزة وربطها بالضفة اقتصاديا، كما تسعى حاليا لوقف العدوان الاسرائيلى وادخال المساعدات الانسانية لقطاع غزة مع الدعوة لمؤتمر دولي لإعادة اعمار غزة.
4-أزمة سد النهضة :مزجت مصر بين الدبلوماسية والخطاب الصارم ، كما سعت لحشد دعم أفريقي ودولى لموقفها واحتفظت بحق الرد وحماية أمنها المائي دون تنازل.
ثالثًا: الصعود الدولي – من السكون إلى التأثير متعدد الأقطاب من خلال :-
1-تنويع العلاقات الدولية: عمّقت مصر شراكاتها مع روسيا (الضبعة النووية – السلاح – الغاز) الصين (مبادرة الحزام والطريق – مشروعات مبادرة تيدا بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس- العاصمة الإدارية) فرنسا وإيطاليا واليونان (الطاقة – الأمن – شرق المتوسط) كما أعادت صياغة علاقتها مع الولايات المتحدة على أسس الاحترام والمصالح المتبادلة.
2-الاقصاد والدبلوماسية : انضمت مصر إلى مجموعة بريكس رسميًا عام 2024، ما عزز مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي الجديد ووقعت اتفاقيات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والخليج لجذب الاستثمارات وتعزيز أمن الطاقة ، كما تصدّرت مصر أجندة القارة الأفريقية واستضافت مؤتمرات مثل (قمة المناخ COP27 (فى شرم الشيخ 2022 وقمة صحة إفريقيا (2025) لتعزيز الأمن الصحي في افريقيا .
رابعا : ما بعد 30 يونيو حتى 2025 – تحديات وطموحات :-
1-صعود الجيل الجديد : تم إطلاق مبادرات مثل “البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب”، و”منتدى شباب العالم” لصناعة نخبة وطنية جديدة قادرة على القيادة والتفكير الاستراتيجى .
2-مكافحة الفساد والإدارة الرشيدة: تم تأسيس هيئة الرقابة الإدارية الرقمية ، كما تم ربط الموازنة العامة بمنظومة التحول الرقمي لتقليل الهدر وتطبيق مبادئ الحوكمة .
3-الرؤية المستقبلية: تفعيل استراتيجية “مصر 2030” في مجالات الاقتصاد الأخضر، الذكاء الاصطناعي، توطين الصناعة، التحول نحو الطاقة النظيفة وكذا السعي لتكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة والخدمات اللوجستية، خاصة مع الربط الكهربائي مع السعودية واليونان، وربط السكك الحديدية الآسيو-أفريقية عبر سيناء.
هذا، وقد خاضت مصر معركة مصير أعادت البناء وحددت موقعها من معادلات القوة في عالم متغير وكانت الثورة لحظة تحول إلى مشروع بناء ممتد يتحدى الزمن فى عالم يتجه الى صراعات مفتوحة . وأنفقت مصر على البنية التحتية مايزيد على 11 تريليون جنيه مصرى ، وتقف مصر الآن بثقة لا لتستجدي مكانًا، بل لتفرض حضورها مدفوعة بثورة شعب ورؤية دولة وإرادة لا تلين ، كما أن القيادة المصرية تُوازن جيدا بين البناء الصلب والانفتاح الناعم، بين السيادة الداخلية والمرونة الخارجية وبين الحسم الأمني والتعدد السياسي معتمدة على تماسك شعبها وحضارتها وتاريخ يمتد ل 7000 عام.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع
إنفينيتي الاقتصادية
ويمكنك متابعة موقع “إنفينيتي الاقتصادية” عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أحدث التحديثات اليومية لأسعار العملات الأجنبية والعملات العربية مقابل الجنيه، بالإضافة إلى أسعار الذهب في مصر.
ويقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” مجموعة واسعة من الخدمات تشمل: “أخبار اقتصادية، أخبار محلية، أخبار الشركات المصرية، تحليلات السوق المصرية، الأحداث الاقتصادية المهمة في مصر، أخبار اقتصادية من الدول العربية، تحليلات اقتصادية إقليمية، الأحداث الاقتصادية المهمة في العالم العربي”.
كما يقدم موقع “إنفينيتي الاقتصادية” الأحداث الاقتصادية المهمة على مستوى العالم، بالإضافة إلي خدمات توعوية، مقالات تحليلية، دراسات اقتصادية، إنفوجرافيك، فيديوهات، تحليلات أسواق المال، نصائح استثمارية، أدوات مالية”.