لطالما آمنت أن الجمال ليس في الأشياء التي نراها حولنا، بل في تلك المساحة العميقة داخل كل امرأة، المساحة التي تنعكس على العالم من خلال نظرتها لنفسها وطريقتها في التعامل مع الحياة. هذه الفكرة لم تكن مجرد تأمل بالنسبة لي، بل كانت بداية رحلة كاملة أعدت بها تشكيل علاقتي مع نفسي ومع النساء اللاتي التقيتهن في حياتي
بدأت رحلتي بشغف صادق تجاه فهم معنى الجمال. لم يكن يشدّني المظهر الخارجي بقدر ما كان يشدّني السؤال: لماذا نشعر أحيانًا أننا جميلات من الداخل حتى لو كنا محطمات من الخارج؟ ولماذا قد تشعر امرأة أخرى بأنها منطفئة رغم أن كل شيء يبدو مثاليًا في عيون الآخرين؟ هذه الأسئلة جعلتني أدرس فلسفة الجمال من زاوية مختلفة، زاوية تربط بين الروح والعقل والجسد، وتبحث عن المعنى الحقيقي خلف حضور المرأة وليس خلف صورتها فقط
ومع الوقت، قادني هذا الشغف إلى الطب التجديدي والمجالات التي تدعم صحة المرأة. اكتشفت من خلال دراسة هذا العلم أن الجمال لا يمكن فصله عن الشفاء، وأن المرأة عندما تعتني بجسدها دون الاهتمام بعقلها وروحها تشعر دائمًا بنقص لا تعرف مصدره. أدركت أن السطح لا يكفي، وأن أي بناء يجب أن يبدأ من الداخل أولًا
خلال رحلتي الأكاديمية، قررت أن أركز على موضوع ظلّ لسنوات بعيدًا عن الضوء: كيف تعيش المرأة بعد التعافي من الإدمان والضغوط القاسية، درست كيف تتغير رؤيتها للحياة، وكيف تستعيد قيمتها الذاتية، وكيف تبني علاقة جديدة مع جسدها بعد أن مر بتجارب صعبة، بحث الدكتوراه الذي عملت عليه لم يكن دراسة جافة، بل كان نافذة إنسانية واسعة على مشاعر نساء حقيقيات، كل واحدة منهن تحمل قصة تستحق أن تُروى
ومع كل دراسة، وكل مقابلة، وكل جلسة بحث، كنت أتعلم شيئًا جديدًا عن نفسي أيضًا، لم تكن رحلتي خالية من الألم، مررت بما تمر به كثير من النساء: لحظات فقدان، اختبارات، ضغوط، محاولات للنجاة في ظل مسؤوليات ومخاوف لا تنتهي، كانت هناك أيام أشعر فيها أني قوية بما يكفي لأحمل العالم، وأيام أخرى لا أستطيع فيها حمل نفسي، لكن كل مرحلة، وكل جرح، وكل انكسار، كان يعلّمني معنى جديدًا للشفاء
تعلمت أن الشفاء ليس قرارًا يؤخذ في يوم وليلة. هو رحلة تبدأ عندما تعترف المرأة أن ما بداخلها أهم بكثير مما يراه الآخرون، رحلة تسمح فيها لنفسها أن تتوقف عن جلد ذاتها، وأن تتصالح مع النسخة التي كانت عليها، والنسخة التي أصبحتها، والنسخة التي ما زالت تحاول الوصول إليها، هناك جمال كبير في هذه المصالحة… جمال لا يمكن أن تصنعه أي يد سوى يد المرأة نفسها
اليوم، أكتب لأنني أعرف أن كثيرًا من النساء يقفن عند نفس النقطة التي وقفت فيها يومًا: بين الماضي الذي أثقل أرواحهن، والحاضر الذي يحاولن فيه استعادة أنفسهن، والمستقبل الذي يريدن أن يبنينه بوعي وقوة. أكتب لأنني رأيت نساء خرجن من الظلام إلى النور، ومن الانكسار إلى الحكمة. رأيتهن يستعيدن أصواتهن بعد سنوات من الصمت، ويستعيدن جمالهن الداخلي بعد أن فقدن الإحساس به
أكتب لأنني أؤمن أن الجمال الحقيقي ليس مظهرًا يتم تحسينه، بل روحًا يتم شفاؤها. ليس بشرة مثالية، بل سلامًا داخليًا ينعكس على كل خطوة، وكل نظرة، وكل كلمة. أكتب لأنني أعرف أن هناك امرأة تقرأ الآن وتحاول أن تلتقط أنفاسها بعد معركة طويلة. وأريد أن أقول لها إن الطريق لا يبدأ في الخارج، بل يبدأ في قلبها
رحلتي لا تزال مستمرة، ولا أدعي أنني وصلت إلى نهايتها. لكنني أستطيع أن أقول بثقة إن أكثر اللحظات جمالًا في حياتي كانت تلك التي تعلمت فيها أن أرى نفسي كما أنا، لا كما يريد العالم أن يراني.، اللحظة التي قبلت فيها أن القوة ليست صلابة، بل مرونة، وأن الجمال ليس كمالًا، بل صدق، وأن الشفاء ليس نهاية الألم، بل بدايته الجديدة
هذه تجربتي.. وهذه رسالتي لكل امرأة تحاول أن تعيد اكتشاف نفسها: الجمال يبدأ من الداخل، من قلب يتعلم أن ينهض مهما كثرت العثرات، ومن روح تعرف أنها تستحق الضوء حتى لو مرت بالعتمة، لا تبحثي عن الجمال خارجك، فهو لم يغادرك يومًا… فقط ينتظر أن تمنحيه فرصة للظهور من جديد.





