الخميس, 21 نوفمبر, 2024
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن
رئيس مجلس الإدارة
د. إسلام جمال الدين


المشرف العام
محمد عبدالرحمن

ما بين الواقع والمأمول.. هل يقودنا التضليل الإعلامي إلى المزيد من الأزمات الاقتصادية؟

الصحفي محمد عبدالرحمن

“دولار إيه بس، إحنا داخلين البريكس! ده أحمد موسى مأكدلي إنه مش هيبقى ليه لازمة!”.. على مدار سنوات ونحن نعاني من هذا النوع من الخطاب الإعلامي الذي يتعامل مع التحديات الاقتصادية الكبيرة بسذاجة وبتبسيط مفرط، وهو في الحقيقة نوع من أنواع التضليل المتعمد، ومثل هذه المعالجات السطحية لا تسهم فقط في إغفال حقيقة المشكلات بل قد تنعكس سلبياً، حيث تزرع الأوهام في عقول الملايين وتؤخر اتخاذ القرارات الصعبة والضرورية لمعالجة الأزمات الاقتصادية من جذورها وبناء اقتصاد قوى ومستدام.

ففي السنوات الثمانية الماضية، حررت مصر سعر صرف الجنيه ست مرات، أربع منها في آخر عامين، وكان الهدف من تلك الخطوات كما أعلنت الحكومة تقليص فجوة التمويل الأجنبي والقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة، ولكن المحصلة والنتيجة كانت انخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 560% أمام الدولار، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التمويل والخدمات والسلع، وزيادة معدلات التضخم والركود الاقتصادي، فضلاً عن تراجع الاستثمارات غير العقارية.

كل هذه العوامل ساهمت في وضع مصر في موقف حرج، حيث تخصص الدولة الآن 103% من دخلها القومي لسداد القروض وأقساطها.

 

ويطرح الوضع الاقتصادي الحالي عدة تساؤلات حول مدى فعالية السياسات الاقتصادية الحالية وحتمية البحث عن مسارات جديدة تعتمد على الاستثمار والصناعة بدلاً من الاستدانة.

محمد عبدالرحمن يكتب.. ما بين الواقع والمأمول.. حوكمة التخطيط الاقتصادي وأهمية العمل وفق دراسة الجدوى

وهنا يجب أن نتوقف قليلًا لنحلل السياسات الاقتصادية السابقة بعمق، مستخلصين منها الدروس والعبر التي تساعدنا في رسم ملامح المستقبل، وأول مايجب علينا فعله نطرح تساؤل بسيط ماذا لو؟.

اقتربت إجمالي الاستثمارات في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة حتى نهاية عام 2022 من 1.6 تريليون جنيه، أي ما يعادل 85 مليار دولار بسعر الصرف وقتها. يعكس هذا المشروع الطموح رؤية حكومية لبناء بنية تحتية حديثة وجذب الاستثمارات الأجنبية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو قمنا بتوجيه 20% فقط من هذه الاستثمارات نحو مشروعات صناعية وإنتاجية؟

لو حدث ذلك، لتمكنا من خلق حوالي 7 ملايين وظيفة في قطاعات إنتاجية وخدمية، وفقًا لبيانات مؤسسات اقتصادية دولية، الاستثمار في مثل هذه القطاعات لا يهدف فقط إلى تقليل البطالة، بل يساهم أيضاً في سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحليين، وفتح آفاق جديدة للتصدير، وتوفير سيولة كبيرة من العملات الأجنبية.

ووفقاً لنظرية “التنويع الاقتصادي”، فإن توزيع الاستثمارات على قطاعات متعددة هو السبيل الأمثل لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، ومن الأمثلة الناجحة على هذا التوجه هي تجربة كوريا الجنوبية، خلال الستينيات والسبعينيات، حيث ركزت كوريا على تطوير القطاع الصناعي، ما أدى إلى تحوّلها من اقتصاد زراعي إلى صناعي متقدم، ولم تكن الطفرة الاقتصادية والتحول في الاقتصادي الكوري الجنوبي ممكناً بدون استثمارات ضخمة في تدريب القوى العاملة ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

وأخيرًا الاستثمار في التعليم والصحة هو أساس أي نهضة اقتصادية، وهذا ما يعيد في الإذهان مقولة شارل ديجول أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما وجه سؤاله الشهير عن أوضاع التعليم، وعندما أطمئن على سلامته، أعلن بكل ثقة أن فرنسا ما زالت تتمتع بقوة وثبات، مؤكدًا أن التعليم هو الضامن الحقيقي لمستقبل أي أمة، فالدول التي حققت نجاحات اقتصادية كانت تلك التي أولت اهتماماً خاصاً لتطوير مواردها البشرية من خلال التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية.

وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، من الضروري إعادة النظر في الاستراتيجيات الحالية والبحث عن حلول أكثر استدامة كـ ” التنويع الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، وتطوير التعليم والصحة” تلك هي مفاتيح النجاح لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.

الاستثمار في الإنسان هو السبيل لتحقيق التوازن بين ما نعيشه اليوم وما نأمل في تحقيقه غداً، وبدون استثمار حقيقي في المواطن، ستظل جهودنا لتحقيق التنمية الشاملة غير مكتملة، وسيبقى الطريق نحو الازدهار بين الواقع والمأمول.

اقرأ أيضًا.. ما بين الواقع والمأمول.. آمال وطموحات المصريين مع التشكيل الوزاري الجديد

الكاتب الصحفي محمد عبدالرحمن يكتب سلسلة مقالات مميزة على موقع “إنفينيتي الاقتصادية” بعنوان “ما بين الواقع والمأمول”، يتناول خلالها الأحداث العامة والاقتصادية بشكل شامل وتحليلي.

مقالات ذات صلة

الاكثر قراءة